الأعراف [٣٣].
فهذه الآية جمعت أصول الشريعة في الأمر بثلاثة ، والنهي عن ثلاثة ، بل في الأمر بشيئين وتكملة ، والنّهي عن شيئين وتكملة.
روى أحمد بن حنبل : أن هذه كانت السبب في تمكّن الإيمان من عثمان بن مظعون ، فإنها لما نزلت كان عثمان بن مظعون بجانب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان حديث الإسلام ، وكان إسلامه حياء من النبي صلىاللهعليهوسلم وقرأها النبي عليه. قال عثمان : فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي. وعن عثمان بن أبي العاص : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا إذ شخص بصره ، فقال : أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) الآية اه. وهذا يقتضي أن هذه الآية لم تنزل متّصلة بالآيات التي قبلها فكان وضعها في هذا الموضع صالحا لأن يكون بيانا لآية (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٨٩] إلخ ، ولأن تكون مقدّمة لما بعدها (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) [سورة النحل : ٩١]الآية.
وعن ابن مسعود : أن هذه الآية أجمع آية في القرآن.
وعن قتادة : ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به في هذه الآية ، وليس من خلق كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدح فيه ، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها.
وروى ابن ماجه عن عليّ قال : أمر الله نبيئه أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، فخرج ، فوقف على مجلس قوم من شيبان بن ثعلبة في الموسم. فدعاهم إلى الإسلام وأن ينصروه ، فقال مفروق بن عمرو منهم : إلام تدعونا أخا قريش ، فتلا عليهم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية. فقال : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذّبوك وظاهروا عليك.
وقد روي أن الفقرات الشهيرة التي شهد بها الوليد بن المغيرة للقرآن من قوله : «إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بكلام بشر» قالها عند سماع هذه الآية.
وقد اهتدى الخليفة عمر بن عبد العزيز ـ رحمة الله ـ إلى ما جمعته هذه الآية من معاني الخير فلما استخلف سنة ٩٩ كتب يأمر الخطباء بتلاوة هذه الآية في الخطبة يوم