المسلمين ، إذ يصدّونهم عن سبيل الإسلام بفنون الصدّ ، كقولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سورة سبأ : ٣٥] ، كما أشار إليه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). وقد تقدم ذلك في سورة الأنعام [٥٣].
ولم يذكر المفسّرون سببا لنزول هذه الآية ، وليست بحاجة إلى سبب. وذكروا في الآية الآتية وهي قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) [سورة النحل : ١٠٦] أن آية (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) إلى آخرها نزلت في الذين رجعوا إلى الكفر بعد الإيمان لما فتنهم المشركون كما سيأتي ، فجعلوا بين الآيتين اتصالا.
قال في «الكشاف» : كأن قوما ممن أسلم بمكة زيّن لهم الشيطان لجزعهم ما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فثبّتهم الله اه. يريد أن لهجة التحذير في هذا الكلام إلى قوله : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) [سورة النحل : ٩٢] تنبئ عن حالة من الوسوسة داخلت قلوب بعض حديثي الإسلام فنبّأهم الله بها وحذّرهم منها فسلموا.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢))
تشنيع لحال الذين ينقضون العهد.
وعطف على جملة (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [سورة النحل : ٩١]. واعتمد العطف على المغايرة في المعنى بين الجملتين لما في هذه الثانية من التمثيل وإن كانت من جهة الموقع كالتوكيد لجملة (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ). نهوا عن أن يكونوا مضرب مثل معروف في العرب بالاستهزاء ، وهو المرأة التي تنقض غزلها بعد شدّ فتله. فالتي نقضت غزلها امرأة اسمها ريطة بنت سعد التيمية من بني تيم من قريش. وعبّر عنها بطريق الموصولية لاشتهارها بمضمون الصّلة ولأن مضمون الصّلة ، هو الحالة المشبّه بها في هذا التمثيل ، ولأن القرآن لم يذكر فيه بالاسم العلم إلا من اشتهر بأمر عظيم مثل جالوت وقارون.
وقد ذكر من قصّتها أنها كانت امرأة خرقاء مختلّة العقل ، ولها جوار ، وقد اتّخذت