الوصف مجاز عقلي ، أي طيّبا ما فيها. ويقارنها من الأحوال العارضة للمرء في مدّة حياته ، فمن مات من المسلمين الذين عملوا صالحا عوّضه الله عن عمله ما فاته من وعده.
ويفسّر هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن خباب بن الأرت قال : «هاجرنا مع رسول الله نبتغي بذلك وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنّا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة كنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطي بها رجلاه خرج رأسه ، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها».
والطيّب : ما يطيب ويحسن. وضد الطيّب : الخبيث والسيّئ. وهذا وعد بخيرات الدنيا. وأعظمها الرضى بما قسم لهم وحسن أملهم بالعاقبة والصحّة والعافية وعزّة الإسلام في نفوسهم. وهذا مقام دقيق تتفاوت فيه الأحوال على تفاوت سرائر النفوس ، ويعطي الله فيه عباده المؤمنين على مراتب هممهم وآمالهم. ومن راقب نفسه رأى شواهد هذا.
وقد عقب بوعد جزاء الآخرة بقوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، فاختص هذا بأجر الآخرة بالقرينة بخلاف نظيره المتقدّم آنفا فإنه عامّ في الجزاءين.
[٩٨ ـ ١٠٠] (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))
موقع فاء التّفريع هنا خفيّ ودقيق ، ولذلك تصدّى بعض حذّاق المفسّرين إلى البحث عنه. فقال في «الكشاف» : «لما ذكر العمل الصالح ووعد عليه وصل به قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) إيذانا بأن الاستعاذة من جملة الأعمال التي يجزل عليها الثواب» اه.
وهو إبداء مناسبة ضعيفة لا تقتضي تمكّن ارتباط أجزاء النظم.
وقال فخر الدين : «لما قال : ولنجزيهم (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النحل : ٩٧] أرشد إلى العلم الذي تخلص به الأعمال من الوسواس» اه.
وهو أمكن من كلام «الكشاف». وزاد أبو السعود : «لما كان مدار الجزاء هو حسن العمل رتّب عليه الإرشاد إلى ما به يحسن العمل الصالح بأن يخلص من شوب الفساد».