يبدو للسامع أن مثل لفظ المعوّض ـ بفتح الواو ـ جعل عوضا عن مثل لفظ العوض ـ بالكسر ـ في آيات مختلفة باختلاف الأغراض من تبشير وإنذار ، أو ترغيب وترهيب ، أو إجمال وبيان ، فيجعله الطاعنون اضطرابا لأن مثله قد كان بدل ولا يتأملون في اختلاف الأغراض. وقد تقدم شيء من هذا المعنى عند قوله تعالى : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) في سورة يونس [١٥].
و (مَكانَ آيَةٍ) منصوب على الظرفية المكانية بأن تأتي آية في الدعوة والخطاب في مكان آية أخرى أتت في مثل تلك الدعوة ، فالمكان هنا مكان مجازي ، وهو حالة الكلام والخطاب ، كما يسمّى ذلك مقاما ، فيقال : هذا مقام الغضب ، فلا تأت فيه بالمزح. وليس المراد مكانها من ألواح المصحف ولا بإبدالها محوها منه.
وجملة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) معترضة بين شرط (إِذا) وجوابها. والمقصود منها تعليم المسلمين لا الردّ على المشركين ، لأنهم لو علموا أن الله هو المنزل للقرآن لارتفع البهتان. والمعنى : أنه أعلم بما ينزل من آية بدل آية ، فهو أعلم بمكان الأولى ومكان الثانية ومحمل كلتيهما ، وكل عنده بمقدار وعلى اعتبار.
وقرأ الجمهور (بِما يُنَزِّلُ) ـ بفتح النون وتشديد الزاي ـ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ـ بسكون النون وتخفيف الزاي ـ.
وحكاية طعنهم في النبي صلىاللهعليهوسلم بصيغة قصر الموصوف على الصّفة ، فجعلوه لا صفة له إلا الافتراء ، وهو قصر إضافي ، أي لست بمرسل من الله. وهذا من مجازفتهم وسرعتهم في الحكم الجائر فلم يقتصروا على أن تبديله افتراء بل جعلوا الرسول مقصورا على كونه مفتريا لإفادة أن القرآن الوارد مقصور على كونه افتراء.
وأصل الافتراء : الاختراع ، وغلب على اختراع الخبر ، أي اختلاقه ، فساوى الكذب في المعنى ، ولذلك قد يطلق وحده كما هنا ، وقد يطلق مقترنا بالكذب كقوله الآتي : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة النحل : ١٠٥] إرجاعا به إلى أصل الاختراع فيجعل له مفعول هو آيل إلى معناه فصار في معنى المفعول المطلق. وقد تقدم عند قوله تعالى: (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في [سورة العقود : ١٠٣].
و (بَلْ) للإضراب الإبطالي على كلامهم ، وهو من طريقة النقض الإجمالي في علم المناظرة.