المجرد ، كقولهم : أبان بمعنى بان. فمعنى (يُلْحِدُونَ) يميلون عن الحقّ لأن ذلك اختلاق معاذير ، فهم يتركون الحقّ القويم من أنه كلام منزّل من الله إلى أن يقولوا (يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، فذلك ميل عن الحقّ وهو إلحاد.
ويجوز أن يراد بالإلحاد الميل بكلامهم المبهم إلى قصد معين لأنهم قالوا : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) وسكتوا عن تعيينه توسعة على أنفسهم في اختلاق المعاذير ، فإذا وجدوا ساذجا أبله يسأل عن المعني بالبشر قالوا له : هو جبر أو بلعام ، وإذا توسّموا نباهة السائل تجاهلوا وقالوا : هو بشر من الناس ، فإطلاق الإلحاد على هذا المعنى مثل إطلاق الميل على الاختيار.
وقرأ نافع والجمهور (يُلْحِدُونَ) ـ بضمّ الياء ـ مضارع ألحد. وقرأ حمزة والكسائي (يُلْحِدُونَ) بفتح الياء من لحد مرادف ألحد. وقد تقدّم الإلحاد في قوله تعالى : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) في سورة الأعراف [١٨٠]. وليست هذه الهمزة كقولهم : ألحد الميت ، لأن تلك للجعل ذا لحد.
واللسان : الكلام. سمّي الكلام باسم آلته. والأعجمي : المنسوب إلى الأعجم ، وهو الذي لا يبين عن مراده من كل ناطق لا يفهمون ما يريده. ولذلك سمّوا الدوابّ العجماوات. فالياء فيه ياء النسب. ولما كان المنسوب إليه وصفا كان النسب لتقوية الوصف.
والمبين : اسم فاعل من أبان ، إذا صار ذا إبانة ، أي زائد في الإبانة بمعنى الفصاحة والبلاغة ، فحصل تمام التضادّ بينه وبين (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ).
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤))
جملة معترضة. وورود هذه الآية عقب ذكر اختلاق المتقعّرين على القرآن المرجفين بالقالة فيه بين الدهماء يومئ إلى أن المراد بالذين لا يؤمنون هم أولئك المردود عليهم آنفا. وهم فريق معلوم بشدة العداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم وبالتصلّب في التصدّي لصرف الناس عنه بحيث بلغوا من الكفر غاية ما وراءها غاية ، فحقّت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون ، فهؤلاء فريق غير معيّن يومئذ ولكنهم مشار إليهم على وجه الإجمال ، وتكشف عن تعيينهم عواقب أحوالهم.