فقد كان من الكافرين بالنبيء صلىاللهعليهوسلم أبو جهل وأبو سفيان. وكان أبو سفيان أطول مدة في الكفر من أبي جهل ؛ ولكن أبا جهل كان يخلط كفره بأذى النبي صلىاللهعليهوسلم والحنق عليه. وكان أبو سفيان مقتصرا على الانتصار لدينه ولقومه ودفع المسلمين عن أن يغلبوهم فحرم الله أبا جهل الهداية فأهلكه كافرا ، وهدى أبا سفيان فأصبح من خيرة المؤمنين ، وتشرف بصهر النبي صلىاللهعليهوسلم. وكان الوليد بن المغيرة وعمر بن الخطاب كافرين وكان كلاهما يدفع الناس من اتّباع الإسلام ، ولكن الوليد كان يختلق المعاذير والمطاعن في القرآن وذلك من الكيد ، وعمر كان يصرف الناس بالغلظة علنا دون اختلاق ، فحرم الله الوليد بن المغيرة الاهتداء ، وهدى عمر إلى الإسلام فأصبح الإسلام به عزيز الجانب. فتبيّن الناس أن الوليد من الذين لا يؤمنون بآيات الله ، وأن عمر ليس منهم ، وقد كانا معا كافرين في زمن ما. ويشير إلى هذا المعنى الذي ذكرناه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) [سورة الزمر : ٣] فوصف من لا يهديه الله بوصفين الكذب وشدة الكفر.
فتبيّن أن معنى قوله تعالى : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) من كان الإيمان منافيا لجبلّة طبعه لا لأميال هواه. وهذا يعلم الله أنه لا يؤمن وأنه ليس معرّضا للإيمان ، فلذلك لا يهديه الله ، أي لا يكوّن الهداية في قلبه.
وهذا الأسلوب عكس أسلوب قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة يونس : ٩٦] ، وكل يرمي إلى معنى عظيم.
فموقع هذه الجملة من التي قبلها موقع التعليل لجميع أقوالهم المحكيّة والتذييل لخلاصة أحوالهم ، ولذلك فصلت بدون عطف.
وعطف (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) على (لا يَهْدِيهِمُ) للدّلالة على حرمانهم من الخير وإلقائهم في الشرّ لأنهم إذا حرموا الهداية فقد وقعوا في الضلالة ، وما ذا بعد الحقّ إلا الضلال ، وهذا كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [سورة الحج : ٤]. ويشمل العذاب عذاب الدنيا وهو عذاب القتل مثل ما أصاب أبا جهل يوم بدر من ألم الجراح وهو في سكرات الموت ، ثم من إهانة الإجهاز عليه عقب ذلك.
(إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥))