والطّبع : مستعار لمنع وصول الإيمان وأدلّته ، على طريقة تشبيه المعقول بالمحسوس. وقد تقدّم مفصّلا عند قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) في سورة البقرة [٧].
وجملة (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) تكملة للبيان ، أي الغافلون الأكملون في الغفلة ، لأن الغافل البالغ الغاية ينافي حالة الاهتداء.
والقصر قصر موصوف على صفة ، وهو حقيقي ادعائي يقصد به المبالغة ، لعدم الاعتداد بالغافلين غيرهم ، لأنهم بلغوا الغاية في الغفلة حتى عدّ كل غافل غيرهم كمن ليس بغافل. ومن هنا جاء معنى الكمال في الغفلة لا من لام التّعريف.
وجملة (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) واقعة موقع النتيجة لما قبلها ، لأن ما قبلها صار كالدليل على مضمونها ، ولذلك افتتحت بكلمة نفي الشكّ.
فإن (لا جَرَمَ) بمعنى (لا محالة) أو (لا بد). وقد تقدّم آنفا في هذه السورة عند قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وتقدم بسط تفسيرها عند قوله تعالى: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) في سورة هود [٢٢].
والمعنى : أن خسارتهم هي الخسارة ، لأنهم أضاعوا النعيم إضاعة أبدية.
ويجري هذا المعنى على كلا الوجهين المتقدّمين في ما صدق (من) من قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ) [سورة النحل : ١٠٦] الآية.
ووقع في سورة هود [٢٢] (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ، ووقع هنا (هُمُ الْخاسِرُونَ) لأن آية سورة هود [٢١] تقدّمها (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ، فكان المقصود بيان أن خسارتهم في الآخرة أشدّ من خسارتهم في الدنيا.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠))
عطف على جملة (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) إلى قوله : (هُمُ الْخاسِرُونَ) [سورة النحل : ١٠٦ ـ ١٠٩].
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي ، كما هو شأنها في عطفها الجمل. وذلك أن مضمون هذه الجلة المعطوفة أعظم رتبة من المعطوف عليها ، إذ لا أعظم من رضى الله تعالى كما قال