بمعنى وقع في الفتنة.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))
يجوز أن يكون هذا استئنافا وتذييلا بتقدير : اذكر يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ، وقع عقب التحذير والوعيد وعيدا للذين أنذروا ووعدا للذين بشّروا.
ويجوز أن يكون متّصلا بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل : ١١٠] ، فيكون انتصاب (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) على الظرفية (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي يغفر لهم ويرحمهم يوم القيامة بحيث لا يجدون أثرا لذنوبهم التي لا يخلو عنها غالب الناس ويجدون رحمة من الله بهم يومئذ. فهذا المعنى هو مقتضى الإتيان بهذا الظرف.
والمجادلة : دفاع بالقول للتخلّص من تبعة فعل. وتقدم عند قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة النساء [١٠٧].
والنّفس الأول : بمعنى الذات والشخص كقوله : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) سورة المائدة [٤٥]. والنّفس الثانية ما به الشخص شخص ؛ فالاختلاف بينهما بالاعتبار كقول أعرابي قتل أخوه ابنا له (من الحماسة) :
أقول للنفس تأساء وتسلية |
|
إحدى يديّ أصابتني ولم ترد |
وتقدم في قوله : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) في سورة البقرة [٤٤].
وذلك أن العرب يستشعرون للإنسان جملة مركّبة من جسد وروح فيسمونها النفس ، أي الذات وهي ما يعبّر عنه المتكلّم بضمير (أنا) ، ويستشعرون للإنسان قوّة باطنيّة بها إدراكه ويسمّونها نفسا أيضا. ومنه أخذ علماء المنطق اسم النفس الناطقة.
والمعنى : يأتي كل أحد يدافع عن ذاته ، أي يدافع بأقواله ليدفع تبعات أعماله. ففاعل المجادلة وما هو في قوّة مفعوله شيء واحد. وهذا قريب من وقوع الفاعل والمفعول شيئا واحدا في أفعال الظنّ والدّعاء ، بكثرة مثل : أراني فاعلا كذا ، وقولهم ؛ عدمتني وفقدتني ، وبقلّة في غير ذلك مع الأفعال نحو قول امرئ القيس :
قد بتّ أحرسني وحدي ويمنعني |
|
صوت السّباع به يضبحن والهام |
و (تُوَفَّى) تعطى شيئا وافيا ، أي كاملا غير منقوص ، و (ما عَمِلَتْ) مفعول ثان