ل (تُوَفَّى) ، وهو على حذف مضاف تقديره : جزاء ما عملت ، أي من ثواب أو عقاب ، وإظهار كل نفس في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلّة فتجري مجرى المثل.
والظّلم : الاعتداء على الحقّ. وأطلق هنا على مجاوزة الحدّ المعيّن للجزاء في الشر والإجحاف عنه في الخير ، لأن الله لما عيّن الجزاء على الشرّ ووعد بالجزاء على الخير صار ذلك كالحقّ لكل فريق. والعلم بمراتب هذا التحديد مفوّض لله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [سورة الكهف : ٤٩].
وضميرا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) عائدان إلى كل نفس بحسب المعنى ، لأن (كُلُّ نَفْسٍ) يدلّ على جمع من النفوس.
وزيادة هذه الجملة للتصريح بمفهوم (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) ، لأن توفية الجزاء على العمل تستلزم كون تلك التوفية عدلا ، فصرّح بهذا اللازم بطريقة نفي ضدّه وهو نفي الظلم عنهم ، وللتّنبيه على أن العدل من صفات الله تعالى. وحصل مع ذلك تأكيد المعنى الأول.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))
عطف عظة على عظة. والمعطوف عليها هي جمل الامتنان بنعم الله تعالى عليهم من قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] وما اتّصل بها إلى قوله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [سورة النحل : ٨٣]. فانتقل الكلام بعد ذلك بتهديد من قوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) [سورة النحل : ٨٤].
فبعد أن توعّدهم بقوارع الوعيد بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة النحل : ١٠٤] وقوله : (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [سورة النحل : ١٠٦] إلى قوله (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [سورة النحل : ١٠٩] عاد الكلام إلى تهديدهم بعذاب في الدنيا بأن جعلهم مضرب مثل لقرية عذبت عذاب الدنيا ، أو جعلهم مثلا وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله.
ويجوز أن يكون المعطوف عليها جملة (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) [سورة النحل : ١١١]