المعقّب لأنّه حصل بعد مضي زمن عليهم وهم مصرّون على كفرهم والرسول يكرّر الدعوة وإنذارهم به ، فلما حصل عقب ذلك بمدة غير طويلة وكان جزاء على كفرهم جعل كالشيء المعقّب به كفرهم.
والإذاقة : حقيقتها إحساس اللسان بأحوال الطعوم. وهي مستعارة هنا وفي مواضع من القرآن إلى إحساس الألم والأذى إحساسا مكينا كتمكّن ذوق الطعام من فم ذائقه لا يجد له مدفعا ، وقد تقدم في قوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) في سورة العقود [٩٥].
واللباس : حقيقته الشيء الذي يلبس. وإضافته إلى الجوع والخوف قرينة على أنه مستعار إلى ما يغشى من حالة إنسان ملازمة له كملازمة اللباس لابسه ، كقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [سورة البقرة : ١٨٧] بجامع الإحاطة والملازمة.
ومن قبيلها استعارة (البلى) لزوال صفة الشخص تشبيها للزوال بعد التمكّن ببلى الثوب بعد جدته في قول أبي الغول الطهوي :
ولا تبلى بسالتهم وإن هم |
|
صلوا بالحرب حينا بعد حين |
واستعارة سلّ الثياب إلى زوال المعاشرة في قول امرئ القيس :
فسلي ثيابي عن ثيابك تنسل
ومن لطائف البلاغة جعل اللباس لباس شيئين ، لأن تمام اللبسة أن يلبس المرء إزارا ودرعا.
ولما كان اللباس مستعارا لإحاطة ما غشيهم من الجوع والخوف وملازمته أريد إفادة أن ذلك متمكّن منهم ومستقرّ في إدراكهم استقرار الطعام في البطن إذ يذاق في اللسان والحلق ويحسّ في الجوف والأمعاء.
فاستعير له فعل الإذاقة تمليحا وجمعا بين الطعام واللباس ، لأن غاية القرى والإكرام أن يؤدب للضيف ويخلع عليه خلعة من إزار وبرد ، فكانت استعارتان تهكّميتان.
فحصل في الآية استعارتان : الأولى : استعارة الإذاقة وهي تبعية مصرحة ، والثانية : اللباس وهي أصليّة مصرّحة.
ومن بديع النظم أن جعلت الثانية متفرّعة على الأولى ومركّبة عليها بجعل لفظها مفعولا للفظ الأولى. وحصل بذلك أن الجوع والخوف محيطان بأهل القرية في سائر