ومناسبة هذا التحديد في المحرّمات أن بعض المسلمين كانوا بأرض غربة وقد يؤكل فيها لحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله ، وكان بعضهم ببلد يؤكل فيه الدم وما أهلّ به لغير الله. وقد مضى تفسير نظير هذه الآية في سورة البقرة والأنعام.
[١١٦ ، ١١٧] (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧))
عاد الخطاب إلى المشركين بقرينة قوله : (لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ). فالجملة معطوفة على جملة (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) [سورة النحل : ١١٢] الآية.
وفيه تعريض بتحذير المسلمين لأنهم كانوا قريبي عهد بجاهلية ، فربّما بقيت في نفوس بعضهم كراهية أكل ما كانوا يتعفّفون عن أكله في الجاهلية.
وعلّق النهي بقولهم : (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ). ولم يعلّق بالأمر بأكل ما عدا ما حرم لأن المقصود النهي عن جعل الحلال حراما والحرام حلالا لا أكل جميع الحلال وترك جميع الحرام حتى في حال الاضطرار ، لأن إمساك المرء عن أكل شيء لكراهية أو عيف هو عمل قاصر على ذاته. وأما قول : (وَهذا حَرامٌ) فهو يفضي إلى التحجير على غيره ممن يشتهي أن يتناوله.
واللام في قوله : (لِما تَصِفُ) هي إحدى اللامين اللّتين يتعدّى بهما فعل القول وهي التي بمعنى (عن) الداخلة على المتحدّث عنه فهي كاللام في قوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) [سورة آل عمران : ١٦٨] ، أي قالوا عن إخوانهم. وليست هي لام التقوية الداخلة على المخاطب بالقول.
و (تَصِفُ) معناه تذكر وصفا وحالا ، كما في قوله تعالى : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) [سورة النحل : ٦٢]. وقد تقدم ذلك في هذه السورة ، أي لا تقولوا ذلك وصفا كذبا لأنه تقوّل لم يقله الذي له التحليل والتحريم وهو الله تعالى.
وانتصب (الْكَذِبَ) على المفعول المطلق ل (تَصِفُ) ، أي وصفا كذبا ، لأنه مخالف للواقع ، لأن الذي له التحليل والتحريم لم ينبئهم بما قالوا ولا نصب لهم دليلا عليه.