وجملة (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) هي مقول (تَقُولُوا) ، واسم الإشارة حكاية بالمعنى لأوصافهم أشياء بالحلّ وأشياء بالتّحريم.
و (لِتَفْتَرُوا) علة ل (تَقُولُوا) باعتبار كون الافتراء حاصلا ، لا باعتبار كونه مقصودا للقائلين ، فهي لام العاقبة وليست لام العلّة. وقد تقدّم قريبا أن المقصد منها تنزيل الحاصل المحقّق حصوله بعد الفعل منزلة الغرض ا لمقصود من الفعل.
وافتراء الكذب تقدّم آنفا. والذين يفترون هم المشركون الذين حرموا أشياء.
وجملة (مَتاعٌ قَلِيلٌ) استئناف بياني في صورة جواب عما يجيش بخاطر سائل يسأل عن عدم فلاحهم مع مشاهدة كثير منهم في حالة من الفلاح ، فأجيب بأن ذلك متاع ، أي نفع موقّت زائل ولهم بعده عذاب أليم.
والآية تحذّر المسلمين من أن يتقوّلوا على الله ما لم يقله بنصّ صريح أو بإيجاد معان وأوصاف للأفعال قد جعل لأمثالها أحكاما ، فمن أثبت حلالا وحراما بدليل من معان ترجع إلى مماثلة أفعال تشتمل على تلك المعاني فقد قال بما نصب الله عليه دليلا.
وقدم (لَهُمْ) للاهتمام زيادة في التحذير. وجيء بلام الاستحقاق للتنبيه على أن العذاب حقّهم لأجل افترائهم.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))
لما شنّع على المشركين أنهم حرّموا على أنفسهم ما لم يحرّمه الله ، وحذّر المسلمين من تحريم أشياء على أنفسهم جريا على ما اعتاده قومهم من تحريم ما أحلّ لهم ، نظّر أولئك وحذّر هؤلاء. فهذا وجه تعقيب الآية السالفة بآية (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ).
والمراد منه ما ذكر في سورة الأنعام ، كما روي عن الحسن وعكرمة وقتادة. وقد أشار إلى تلك المناسبة قوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، أي وما ظلمناهم بما حرّمنا عليهم ولكنهم كفروا النعمة فحرموا من نعم عظيمة. وغيّر أسلوب الكلام إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم لأن جانب التحذير فيه أهم من جانب التنظير.
وتقديم المجرور في (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) للاهتمام ، وللإشارة إلى أن ذلك حرّم