ومعنى (جُعِلَ السَّبْتُ) أنه جعل يوما معظّما لا عمل فيه ، أي جعل الله السبت معظّما ، فحذف المفعول الثاني لفعل الجعل لأنه نزل منزلة اللازم إيجازا ليشمل كل أحوال السبت المحكية في قوله تعالى : (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) [سورة النساء : ١٥٤] وقوله : (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) [سورة الأعراف : ١٦٣].
وضمن فعل (جُعِلَ) معنى فرض فعدي بحرف (عَلَى).
وقد ادّخر الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم أن يكون هو الوارث لأصول إبراهيم ، فجعل لليهود والنصارى دينا مخالفا لملّة إبراهيم ، ونصب على ذلك شعارا وهو اليوم الذي يعرف به أصل ذلك الدين وتغيير ذلك اليوم عند بعثة المسيح ـ عليهالسلام ـ إشارة إلى ذلك ، لئلا يكون يوم السبت مسترسلا في بني إسرائيل ، تنبيها على أنهم عرضة لنسخ دينهم بدين عيسى ـ عليهالسلام ـ وإعدادا لهم لتلقّي نسخ آخر بعد ذلك بدين آخر يكون شعاره يوما آخر غير السبت وغير الأحد. فهذا هو التفسير الذي به يظهر انتساق الآي بعضها مع بعض.
و (بَيْنَهُمْ) ظرف للحكم المستفاد من «يحكم» ، أي حكما بين ظهرانيهم. وليست (بَيْنَهُمْ) لتعدية «يحكم» إذ ليس ثمّة ذكر الاختلاف بين فريقين هنا.
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥))
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
يتنزل معنى هذه الآية منزلة البيان لقوله : (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة النحل : ١٢٣] فإن المراد بما أوحي إليه من اتّباع ملّة إبراهيم هو دين الإسلام ، ودين الإسلام مبنيّ على قواعد الحنيفية ، فلا جرم كان الرسول صلىاللهعليهوسلم بدعوته الناس إلى الإسلام داعيا إلى اتّباع ملّة إبراهيم.
ومخاطبة الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بهذا الأمر في حين أنه داع إلى الإسلام وموافق لأصول ملّة إبراهيم دليل على أن صيغة الأمر مستعملة في طلب الدّوام على الدعوة الإسلامية مع ما انضمّ إلى ذلك من الهداية إلى طرائق الدعوة إلى الدين.
فتضمّنت هذه الآية تثبيت الرسول صلىاللهعليهوسلم على الدعوة وأن لا يؤيسه قول المشركين له