مما لقيه عموم المسلمين. فصبره ليس كالمعتاد ، لذلك كان حصوله بإعانة من الله.
وحذره من الحزن عليهم أن لم يؤمنوا كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [سورة الشعراء : ٣].
ثم أعقبه بأن لا يضيق صدره من مكرهم ، وهذه أحوال مختلفة تحصل في النفس باختلاف الحوادث المسببة لها ، فإنهم كانوا يعاملون النبي مرة بالأذى علنا ، ومرة بالإعراض عن الاستماع إليه وإظهار أنهم يغيظونه بعدم متابعته ، وآونة بالكيد والمكر له وهو تدبير الأذى في خفاء.
والضيق ـ بفتح الضّاد وسكون الياء ـ مصدر ضاق ، مثل السّير والقول. وبها قرأ الجمهور.
ويقال : الضيق ـ بكسر الضاد ـ مثل : القيل. وبها قرأ ابن كثير.
وتقدم عند قوله : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [سورة هود : ١٢]. والمراد ضيق النفس ، وهو مستعار للجزع والكدر ، كما استعير ضدّه وهو السعة والاتّساع للاحتمال والصبر. يقال : فلان ضيق الصدر ، قال تعالى في آخر الحجر (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) [سورة الحجر : ٩٧]. ويقال سعة الصدر.
والظرفية في (ضَيْقٍ) مجازية ، أي لا يلابسك ضيق ملابسة الظرف للحال فيه.
و (ما) مصدرية ، أي من مكرهم. واختير الفعل المنسبك إلى مصدر لما يؤذن به الفعل المضارع من التجدّد والتكرّر.
(إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
تعليل للأمر بالاقتصار على قدر الجرم في العقوبة ، وللتّرغيب في الصبر على الأذى ، والعفو عن المعتدين ، ولتخصيص النبي صلىاللهعليهوسلم بالأمر بالصبر ، والاستعانة على تحصيله بمعونة الله تعالى ، ولصرف الكدر عن نفسه من جرّاء أعمال الذين لم يؤمنوا به.
علّل ذلك كله بأن الله مع الذين يتّقونه فيقفون عند ما حدّ لهم ، ومع المحسنين. والمعيّة هنا مجاز في التأييد والنّصر.
وأتي في جانب التقوى بصلة فعلية ماضية للإشارة إلى لزوم حصولها وتقرّرها من قبل