بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) [سورة الأنبياء : ١٨] وقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) [سورة الرعد : ١٧]. فلذلك لم يستغن نظام العالم عن إقامة قوانين العدل والصلاح وإيداعها إلى الكفاة لتنفيذها والذّود عنها.
وعطفت مقولات هذه الأقوال بالفاء لأن كل قول منها أثاره الكلام الذي قبله فتفرّع عنه.
[٣٩ ، ٤٠] (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠))
الباء في (بِما أَغْوَيْتَنِي) للسببية ، و (ما) موصولة ، أي بسبب إغوائك إياي ، أي بسبب أن خلقتني غاويا فسأغوي الناس.
واللام في (لَأُزَيِّنَنَ) لام قسم محذوف مراد بها التأكيد ، وهو القسم المصرح به في قوله : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة ص : ٨٢].
والتزيين : التحسين ، أي جعل الشيء زينا ، أي حسنا. وحذف مفعول (لَأُزَيِّنَنَ) لظهوره من المقام ، أي لأزينن لهم الشر والسيئات فيرونها حسنة ، وأزيّن لهم الإقبال على الملاذ التي تشغلهم عن الواجبات. وتقدم عند قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) في سورة البقرة [٢١٢].
والإغواء : جعلهم غاوين. والغواية ـ بفتح الغين ـ : الضلال. والمعنى : ولأضلنّهم. وإغواء الناس كلهم هو أشد أحوال غاية المغوي إذ كانت غوايته متعدية إلى إيجاد غواية غيره.
وبهذا يعلم أن قوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) إشارة إلى غواية يعلمها الله وهي التي جبله عليها ، فلذلك اختير لحكايتها طريقة الموصولية ، ويعلم أن كلام الشيطان هذا طفح بما في جبلّته ، وليس هو تشفّيا أو إغاظة لأن العظمة الإلهية تصده عن ذلك.
وزيادة (فِي الْأَرْضِ) لأنها أول ما يخطر بباله عند خطور الغواية لاقتران الغواية بالنزول إلى الأرض الذي دلّ عليه قوله تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها) [سورة الحجر : ٣٤] ، أي اخرج من الجنة إلى الأرض كما جاء في الآية الأخرى قال : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) [سورة البقرة : ٢] ، ولأن جعل التزيين في الأرض يفيد