قال أبو علي الفارسي : قنط يقنط ـ بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل ـ من أعلى اللغات. قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) [سورة الشورى : ٢٨].
قلت : ومن فصاحة القرآن اختياره كل لغة في موضع كونها فيه أفصح ، فما جاء فيه إلا الفتح في الماضي ، وجاء المضارع بالفتح والكسر على القراءتين.
[٥٧ ـ ٦٠] (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))
حكاية هذا الحوار بين إبراهيم والملائكة ـ عليهمالسلام ـ لأنه يجمع بين بيان فضل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وبين موعظة قريش بما حل ببعض الأمم المكذبين ، انتقل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلى سؤالهم عن سبب نزولهم إلى الأرض ، لأنه يعلم أن الملائكة لا ينزلون إلا لأمر عظيم كما قال تعالى : ما تنزل الملائكة إلا بالحق [سورة الحجر : ٨]. وقد نزل الملائكة يوم بدر لاستئصال سادة المشركين ورؤسائهم.
والخطب تقدم في قوله تعالى (قالَ ما خَطْبُكُنَ) في [سورة يوسف : ٥١].
والقوم المجرمون هم قوم لوط أهل سدوم وقراها. وتقدم ذكرهم في سورة هود.
والاستثناء في (إِلَّا آلَ لُوطٍ) منقطع لأنهم غير مجرمين. واستثناء (إِلَّا امْرَأَتَهُ) متصل لأنها من آل لوط.
وجملة (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) استئناف بياني لبيان الإجمال الذي في استثناء آل لوط من متعلق فعل (أُرْسِلْنا) لدفع احتمال أنهم لم يرسلوا إليهم ولا أمروا بإنجائهم.
وفي قوله : (أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) إيجاز حذف. وتقدير الكلام : إنا أرسلنا إلى لوط لأجل قوم مجرمين ، أي لعذابهم. ودل على ذلك الاستثناء في (إِلَّا آلَ لُوطٍ).
وقرأ الجمهور (لَمُنَجُّوهُمْ) ـ بفتح النون وتشديد الجيم ـ مضارع نجّى المضاعف. وقرأه حمزة والكسائي وخلف ـ بسكون النون وتخفيف الجيم ـ مضارع أنجى المهموز.
وإسناد التقدير إلى ضمير الملائكة لأنهم مزمعون على سببه. وهو ما وكلوا به من تحذير لوط ـ عليهالسلام ـ وآله من الالتفات إلى العذاب ، وتركهم تحذير امرأته حتى التفتت فحل بها ما حل بقوم لوط.