وقرأ الجمهور (قَدَّرْنا) ـ بتشديد الدال ـ من التقدير. وقرأه أبو بكر عن عاصم ـ بتخفيف الدال ـ من قدر المجرد وهما لغتان.
وجملة (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) مستأنفة. و (إن) معلقة لفعل (قَدَّرْنا) عن العمل في مفعوله. وأصل الكلام قدرنا غبورها ، أي ذهابها وهلاكها.
والتعليق يطرأ على الأفعال كلها وإنما يكثر في أفعال القلوب ويقلّ في غيرها. وليس من خصائصها على التحقيق.
وتقدم ذكر الغابرين في سورة الأعراف.
[٦١ ـ ٦٥] (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥))
تفريع على حكاية قصتهم مع إبراهيم وقد طوي ما هو معلوم من خروج الملائكة من عند إبراهيم. والتقدير : ففارقوه وذهبوا إلى لوط فلما جاءوا لوطا.
وعبر بآل لوط ـ عليهالسلام ـ لأنهم نزلوا في منزلة بين أهله فجاءوا آله وإن كان المقصود بالخطاب والمجيء هو لوط.
وتولى لوط ـ عليهالسلام ـ تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، أي لا تعرف قبيلتكم. وتقدم عند قوله تعالى : (نَكِرَهُمْ) في سورة هود [٧٠].
وقد أجابوه بما يزيل ذلك إذ (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) إضرابا عن قوله: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) وإبطالا لما ظنه من كونهم من البشر الذين لم يعرف قبيلتهم فلا يأمنهم أن يعاملوه بما يضرّه.
وعبر عن العذاب ب «ما كانوا فيه يمترون» إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التعذيب ، أي بالأمر الذي كان قومك يشكون في حلوله بهم وهو العذاب ، فعلم أنهم ملائكة.
والمراد بالحق الخبر الحق ، أي الصدق ، ولذلك ذيل بجملة (وَإِنَّا لَصادِقُونَ).