وقوله : (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ* وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) حكاية لخطاب الملائكة لوطا ـ عليهالسلام ـ لمعنى عباراتهم محولة إلى نظم عربي يفيد معنى كلامهم في نظم عربي بليغ ، فبنا أن نبيّن خصائص هذا النظم العربي : فإعادة فعل (أَتَيْناكَ) بعد واو العطف مع أن فعل (أَتَيْناكَ) مرادف لفعل (جِئْناكَ) دون أن يقول : و (بِالْحَقِ) ، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف. والتعبير في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد ، كقوله تعالى في سورة الفرقان [٣٣] : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً). وعليه تكون الباء في قوله : (بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) وقوله : (بِالْحَقِ) للملابسة.
ويحتمل أن تكون لذكر الفعل الثاني وهو (وَأَتَيْناكَ) خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به. فلما كان المتعلق بفعل (جِئْناكَ) أمرا حسيا وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون ، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنى كالحقيقي ، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساو للحقيقي ، أوثر فعل (جِئْناكَ) ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به «ما كانوا فيه يمترون». وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب ، فموقع قوله تعالى : (بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) موقع مفعول به ، كما تقول (ذهبت به) بمعنى أذهبته وإن كنت لم تذهب معه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) [سورة الزخرف : ٤١] أي نذهبك من الدنيا ، أي نميتك. فهذه الباء للتعدية وهي بمنزلة همزة التعدية.
وأما متعلق فعل (أَتَيْناكَ) وهو (بِالْحَقِ) فهو أمر معنوي لا يقع منه الإتيان فلا يتعلق بفعل الإتيان فغيرت مادة المجيء إلى مادة الإتيان تنبيها على إرادة معنى غير المراد بالفعل السابق ، أعني المجيء المجازي. فإن هذا الإتيان مسند إلى الملائكة بمعناه الحقيقي ، وكانوا في إتيانهم ملابسين للحق ، أي الصدق ، وليس الصدق مسندا إليه الإتيان. فالباء في قوله تعالى : (بِالْحَقِ) للملابسة لا للتعدية.
والقطع ـ بكسر القاف وسكون الطاء ـ الجزء الأخير من الليل. وتقدم عند قوله تعالى : (قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) في سورة يونس [٢٧].
وأمروه أن يجعل أهله قدامه ويكون من خلفهم ، فهو يتبع أدبارهم ، أي ظهورهم ليكون كالحائل بينهم وبين العذاب الذي يحل بقومه بعقب خروجه تنويها ببركة الرسول ـ