عطف قصة على قصة لما في كلتيهما من الموعظة. وذكر هاتين القصّتين المعطوفتين تكميل وإدماج ، إذ لا علاقة بينهما وبين ما قبلهما من قصة إبراهيم والملائكة. وخصّ بالذكر أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر لأنهم مثل قوم لوط في موعظة المشركين من الملائكة لأن أهل مكة يشاهدون ديار هذه الأمم الثّلاث.
و (إِنْ) مخفّفة (إنّ) وقد أهمل عملها بالتخفيف فدخلت على جملة فعلية. واللام الداخلة على (الظالمين) اللام الفارقة بين (إن) التي أصلها مشددة وبين (إن) النافية.
و (الْأَيْكَةِ) : الغيضة من الأشجار الملتفّ بعضها ببعض. واسم الجمع (أيك) ، وأطلقت هنا مرادا بها الجنس إذ قد كانت منازلهم في غيضة من الأشجار الكثيرة الورق. وقد تخفّف الأيكة فيقال : ليكة.
و (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) : هم قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ وهم مدين. وقيل أصحاب الأيكة فريق من قوم شعيب غير أهل مدين. فأهل مدين هم سكان الحاضرة وأصحاب الأيكة هم باديتهم ، وكان شعيب رسولا إليهم جميعا. قال تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [سورة الشعراء : ١٧٦ ـ ١٧٧]. وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في سورة الشّعراء.
والظالمون : المشركون.
والانتقام : العقوبة لأجل ذنب ، مشتقّة من النّقم ، وهو الإنكار على الفعل. يقال : نقم عليه كما في هذه الآية ، ونقم منه أيضا. وتقدم في قوله : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) في سورة الأعراف [١٢٦]. وأجمل الانتقام في هذه الآية وبيّن في آيات أخرى مثل آية هود.
(وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ)
ضمير (إِنَّهُما) لقرية قوم لوط وأيكة قوم شعيب ـ عليهماالسلام ـ ..
والإمام : الطريق الواضح لأنه يأتمّ به السائر ، أي يعرف أنه يوصل إذ لا يخفى عنه شيء منه. والمبين : البيّن ، أي أن كلتا القريتين بطريق القوافل بأهل مكّة.
وقد تقدم آنفا قوله : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) [سورة الحجر : ٧٦] فإدخال مدينة لوط ـ عليهالسلام ـ في الضمير هنا تأكيد للأول.
ويظهر أن ضمير التثنية عائد على أصحاب الأيكة باعتبار أنهم قبيلتان ، وهما مدين