ويحتمل أن يراد به المجاز عن الأصناف وهو استعمال أثبته الراغب. فوجه ذكره في الآية أن التمتّع الّذي تمتدّ إلى مثله العين ليس ثابتا لجميع الكفّار بل هو شأن كبرائهم ، أي فإن فيهم من هم في حال خصاصة فاعتبر بهم كيف جمع لهم الكفر وشظف العيش.
والنّهي عن الحزن عليهم شامل لكلّ حال من أحوالهم من شأنها أن تحزن الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتؤسفه. فمن ذلك كفرهم كما قال تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [سورة الكهف : ٦]. ومنه حلول العذاب بهم مثل ما حلّ بهم يوم بدر فإنهم سادة أهل مكة ، فلعلّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يتحسّر على إصرارهم حتى حلّ بهم ما حلّ من العذاب. ففي هذا النهي كناية عن قلّة الاكتراث بهم وعن توعدهم بأن سيحلّ بهم ما يثير الحزن لهم ، وكناية عن رحمة الرسول صلىاللهعليهوسلم بالنّاس.
ولما كان هذا النّهي يتضمن شدّة قلب وغلظة لا جرم اعترضه بالأمر بالرفق للمؤمنين بقوله (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ). وهو اعتراض مراد منه الاحتراس. وهذا كقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [سورة الفتح : ٢٩].
وخفض الجناح تمثيل للرفق والتواضع بحال الطائر إذا أراد أن ينحطّ للوقوع حفض جناحه يريد الدنوّ ، وكذلك يصنع إذا لاعب أنثاه فهو راكن إلى المسالمة والرفق ، أو الذي يتهيأ لحضن فراخه. وفي ضمن هذه التمثيلية استعارة مكنية ، والجناح تخييل. وقد بسطناه في سورة الإسراء في قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [سورة الإسراء : ٢٤] وقد شاعت هذه التمثيلية حتى صارت كالمثل في التواضع واللّين في المعاملة. وضد ذلك رفع الجناح تمثيل للجفاء والشدّة.
ومن شعر العلامة الزمخشري يخاطب من كان متواضعا فظهر منه تكبّر (ذكره في سورة الشعراء) :
وأنت الشّهير بخفض الجناح |
|
فلا تك في رفعه أجدلا |
وفي هذه الآية تمهيد لما يجيء بعدها من قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [سورة الحجر : ٩٤].
وجملة (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) عطف على جملة (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ). فالمقول لهم هذا القول هم المتحدّث عنهم بالضّمائر السابقة في قوله تعالى : (مِنْهُمْ) وقوله : (عَلَيْهِمْ). فالتقدير : وقل لهم لأن هذا القول مراد منه المتاركة ، أي ما عليّ إلّا