ولفظ (الْمُقْتَسِمِينَ) افتعال من قسم إذا جعل شيئا أقساما. وصيغة الافتعال هنا تقتضي تكلف الفعل.
والمقتسمون يجوز أن يراد بهم جمع من المشركين من قريش وهم ستّة عشر رجلا ، سنذكر أسماءهم ، فيكون المراد بالقرآن مسمى هذا الاسم العلم ، وهو كتاب الإسلام.
ويجوز أن يراد بهم طوائف أهل الكتاب قسّموا كتابهم أقساما ، منها ما أظهروه ومنها ما أنسوه ، فيكون القرآن مصدرا أطلق بمعناه اللغوي ، أي المقروء من كتبهم ؛ أو قسّموا كتاب الإسلام ، منه ما صدّقوا به وهو ما وافق دينهم ، ومنه ما كذّبوا به وهو ما خالف ما هم عليه.
وقد أجمل المراد بالمقتسمين إجمالا بيّنه وصفهم بالصلة في قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ؛ فلا يحتمل أن يكون المقتسمون غير الفريقين المذكورين آنفا.
ومعنى التقسيم والتجزئة هنا تفرقة الصّفات والأحوال لا تجزئة الذّات.
و (الْقُرْآنَ) هنا يجوز أن يكون المراد به الاسم المجعول علما لكتاب الإسلام. ويجوز أن يكون المراد به الكتاب المقروء فيصدق بالتوراة والإنجيل.
و (عِضِينَ) جمع عضة ، والعضة : الجزء والقطعة من الشيء. وأصلها عضو فحذفت الواو التي هي لام الكلمة وعوض عنها الهاء مثل الهاء في سنة وشفة. وحذف اللّام قصد منه تخفيف الكلمة لأن الواو في آخر الكلمة تثقل عند الوقف عليها ، فعوضوا عنها حرفا لئلا تبقى الكلمة على حرفين ، وجعلوا العوض هاء لأنّها أسعد الحروف بحالة الوقف. وجمع (عضة) على صيغة جمع المذكر السّالم على وجه شاذ.
وعلى الوجهين المتقدّمين في المراد من القرآن في هذه الآية فالمقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين هم أهل الكتاب اليهود والنصارى فهم جحدوا بعض ما أنزل إليهم من القرآن ، أطلق على كتابهم القرآن لأنه كتاب مقروء ، فأظهروا بعضا وكتموا بعضا ، قال الله تعالى : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) [سورة الأنعام : ٩١] فكانوا فيما كتموه شبيهين بالمشركين فيما رفضوه من القرآن المنزّل على محمد صلىاللهعليهوسلم وهم أيضا جعلوا القرآن المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم عضين فصدّقوا بعضه وهو ما وافق أحوالهم ، وكذبوا بعضه المخالف لأهوائهم مثل نسخ شريعتهم وإبطال بنوّة عيسى لله تعالى ، فكانوا إذا سألهم المشركون : هل القرآن صدق؟ قالوا : بعضه صدق وبعضه كذب ، فأشبه اختلافهم اختلاف