المشركين في وصف القرآن بأوصاف مختلفة ، كقولهم : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الأنعام : ٢٥] ، و «قول كاهن» ، و «قول شاعر».
وروي عن قتادة أن المقتسمين نفر من مشركي قريش جمعهم الوليد بن المغيرة لما جاء وقت الحجّ فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، فانتدب لذلك ستة عشر رجلا فتقاسموا مداخل مكة وطرقها لينفّروا الناس عن الإسلام ، فبعضهم يقول : لا تغترّوا بهذا القرآن فهو سحر ، وبعضهم يقول : هو شعر ، وبعضهم يقول : كلام مجنون ، وبعضهم يقول : قول كاهن ، وبعضهم يقول : هو أساطير الأولين اكتتبها ، فقد قسموا القرآن أنواعا باعتبار اختلاف أوصافه.
وهؤلاء النّفر هم : حنظلة بن أبي سفيان ، وعتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وأخوه العاص ، وأبو قيس بن الوليد ، وقيس بن الفاكه ، وزهير بن أميّة ، وهلال بن عبد الأسود ، والسائب بن صيفي ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الحجّاج ، وأميّة بن خلف ، وأوس بن المغيرة.
واعلم أن معنى المقتسمين على الوجه المختار المقتسمون القرآن. وهذا هو معنى (جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ، فكان ثاني الوصفين بيانا لأولهما وإنّما اختلفت العبارتان للتفنّن.
وأن ذمّ المشبّه بهم يقتضي ذمّ المشبهين فعلم أن المشبهين قد تلقوا القرآن العظيم بالردّ والتكذيب.
[٩٢ ، ٩٣] (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣))
الفاء للتفريع ، وهذا تفريع على ما سبق من قوله تعالى : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [سورة الحجر : ٨٥].
والواو للقسم ، فالمفرع هو القسم وجوابه. والمقصود بالقسم تأكيد الخبر. وليس الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ممن يشكّ في صدق هذا الوعيد ؛ ولكن التأكيد متسلّط على ما في الخبر من تهديد معاد ضمير النصب في (لَنَسْئَلَنَّهُمْ).
ووصف الربّ مضافا إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم إيماء إلى أن في السؤال المقسم عليه حظّا من التنويه به ، وهو سؤال الله المكذّبين عن تكذيبهم إياه سؤال ربّ يغضب لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.