والسؤال مستعمل في لازم معناه وهو عقاب المسئول كقوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [سورة التكاثر : ٨] فهو وعيد للفريقين.
[٩٤ ـ ٩٦] (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦))
تفريع على جملة (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [سورة الحجر : ٨٧] بصريحه وكنايته عن التسلية على ما يلاقيه من تكذيب قومه.
نزلت هذه الآية في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ورسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم. روي عن عبد الله بن مسعود قال : ما زال النبي صلىاللهعليهوسلم مستخفيا حتى نزلت : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) فخرج هو وأصحابه. يعني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزلت سورة المدثّر كان يدعو النّاس خفية وكان من أسلم من النّاس إذا أراد الصّلاة يذهب إلى بعض الشّعاب يستخفي بصلاته من المشركين ، فلحقهم المشركون يستهزءون بهم ويعيبون صلاتهم ، فحدث تضارب بينهم وبين سعد بن أبي وقاص أدمى فيه سعد رجلا من المشركين. فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه دار الأرقم عند الصّفا فكانوا يقيمون الصّلاة بها واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد ، فنزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) الآية. وبنزولها ترك الرسول صلىاللهعليهوسلم الاختفاء بدار الأرقم وأعلن بالدّعوة للإسلام جهرا.
والصدع : الجهر والإعلان. وأصله الانشقاق. ومنه انصداع الإناء ، أي انشقاقه. فاستعمل الصدع في لازم الانشقاق وهو ظهور الأمر المحجوب وراء الشيء المنصدع ؛ فالمراد هنا الجهر والإعلان.
وما صدق «ما تؤمر» هو الدّعوة إلى الإسلام.
وقصد شمول الأمر كلّ ما أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتبليغه هو نكتة حذف متعلّق (تُؤْمَرُ) ، فلم يصرح بنحو بتبليغه أو بالأمر به أو بالدّعوة إليه. وهو إيجاز بديع.
والإعراض عن المشركين الإعراض عن بعض أحوالهم لا عن ذواتهم. وذلك إبايتهم الجهر بدعوة الإسلام بين ظهرانيهم ، وعن استهزائهم ، وعن تصدّيهم إلى أذى المسلمين.