وأطواره وهو أعجب الموجودات المشاهدة ، ثم بخلق الحيوان وأحواله لأنه يجمع الأنواع التي تلي الإنسان في إتقان الصنع مع ما في أنواعها من المنن ، ثم بخلق ما به حياة الإنسان والحيوان وهو الماء والنبات ، ثم بخلق أسباب الأزمنة والفصول والمواقيت ، ثم بخلق المعادن الأرضية ، وانتقل إلى الاستدلال بخلق البحار ثم بخلق الجبال والأنهار والطرقات وعلامات الاهتداء في السير. وسيأتي تفصيله.
والباء في قوله : (بِالْحَقِ) للملابسة. وهي متعلقة ب (خَلَقَ) إذ الخلق هو الملابس للحقّ.
والحقّ : هنا ضد العبث ، فهو هنا بمعنى الحكمة والجدّ ؛ ألا ترى إلى قوله (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [سورة الأنبياء :١٦] وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [سورة ص : ٢٧]. والحقّ والصدق يطلقان وصفين لكمال الشيء في نوعه.
وجملة (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) معترضة.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف تعالى عما تشركون بمثناة فوقية.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤))
استئناف بياني أيضا. وهو استدلال آخر على انفراده تعالى بالإلهية ووحدانيته فيها. وذلك أنه بعد أن استدلّ عليهم بخلق العوالم العليا والسفلى وهي مشاهدة لديهم انتقل إلى الاستدلال عليهم بخلق أنفسهم المعلوم لهم. وأيضا لما استدلّ على وحدانيته بخلق أعظم الأشياء المعلومة لهم استدلّ عليهم أيضا بخلق أعجب الأشياء للمتأمّل وهو الإنسان في طرفي أطواره من كونه نطفة مهينة إلى كونه عاقلا فصيحا مبينا بمقاصده وعلومه.
وتعريف (الْإِنْسانَ) للعهد الذهني ، وهو تعريف الجنس ، أي خلق الجنس المعلوم الذي تدعونه بالإنسان.
وقد ذكر للاعتبار بخلق الإنسان ثلاثة اعتبارات : جنسه المعلوم بماهيته وخواصه من الحيوانية والناطقية وحسن القوام ، وبقية أحوال كونه ، ومبدأ خلقه وهو النطفة التي هي أمهن شيء نشأ منها أشرف نوع ، ومنتهى ما شرفه به وهو العقل. وذلك في جملتين وشبه جملة (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ).