بالمؤمنين ، فالظاهر أنه غير مقصود من سياق الامتنان العام للناس المتوسّل به إلى إقامة الحجّة على كافري النعمة.
فالذي يظهر لي أن هذه الآية من معجزات القرآن الغيبية العلمية ، وأنها إيماء إلى أن الله سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير ، وتلك العجلات التي يركبها الواحد ويحركها برجليه وتسمى (بسكلات) ، وأرتال السكك الحديدية ، والسيارات المسيّرة بمصفّى النفط وتسمى (أطوموبيل) ، ثم الطائرات التي تسير بالنفط المصفّى في الهواء. فكل هذه مخلوقات نشأت في عصور متتابعة لم يكن يعلمها من كانوا قبل عصر وجود كل منها.
وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله ، فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم وبما تدرجوا في سلّم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها ، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى لأن الكلّ من نعمته.
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩))
جملة معترضة .. اقتضت اعتراضها مناسبة الامتنان بنعمة تيسير الأسفار بالرواحل والخيل والبغال والحمير.
فلما ذكرت نعمة تيسير السبيل الموصلة إلى المقاصد الجثمانية ارتقي إلى التذكير بسبيل الوصول إلى المقاصد الرّوحانية وهو سبيل الهدى ، فكان تعهّد الله بهذه السبيل نعمة أعظم من تيسير المسالك الجثمانية لأن سبيل الهدى تحصل به السعادة الأبدية. وهذه السبيل هي موهبة العقل الإنساني الفارق بين الحقّ والباطل ، وإرسال الرسل لدعوة الناس إلى الحقّ ، وتذكيرهم بما يغفلون عنه ، وإرشادهم إلى ما لا تصل إليه عقولهم أو تصل إليه بمشقّة على خطر من التورّط في بيّنات الطريق.
فالسبيل : مجاز لما يأتيه الناس من الأعمال من حيث هي موصلة إلى دار الثواب أو دار العقاب ، كما في قوله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [سورة يوسف : ١٠٨]. ويزيد هذه المناسبة بيانا أنه لما شرحت دلائل التوحيد ناسب التنبيه على أن ذلك طريق للهدى ، وإزالة للعذر ، وأن من بين الطرق التي يسلكها الناس طريق ضلال وجور.
وقد استعير لتعهّد الله بتبيين سبيل الهدى حرف على المستعار كثيرا في القرآن وكلام العرب لمعنى التعهّد ، كقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى). شبه التزام هذا البيان