يَذَّكَّرُونَ (١٣)).
عطف على (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [سورة النحل : ١٢] ، أي وسخّر لكم ما ذرأ لكم في الأرض. وهو دليل على دقيق الصّنع والحكمة لقوله تعالى : مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ). وأومئ إلى ما فيه من منّة بقوله (لَكُمْ).
والذرء : الخلق بالتناسل والتولّد بالحمل والتفريخ ، فليس الإنبات ذرءا ، وهو شامل للأنعام والكراع (وقد مضت المنّة به) ولغيرها مثل كلاب الصيد والحراسة ، وجوارح الصيد ، والطيور ، والوحوش المأكولة ، ومن الشجر والنبات.
وزيد هنا وصف اختلاف ألوانه وهو زيادة للتعجيب ولا دخل له في الامتنان ، فهو كقوله تعالى : تسقى (بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) في سورة الرعد [٤] ، وقوله تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) في سورة فاطر [٢٧]. وبذلك صار هذا آية مستقلة فلذلك ذيّله بجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ، ولكون محل الاستدلال هو اختلاف الألوان مع اتّحاد أصل الذرء أفردت الآية في قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً).
والألوان : جمع لون. وهو كيفية لسطوح الأجسام مدركة بالبصر تنشأ من امتزاج بعض العناصر بالسطح بأصل الخلقة أو بصبغها بعنصر ذي لون معروف. وتنشأ من اختلاط عنصرين فأكثر ألوان غير متناهية. وقد تقدم عند قوله تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) في سورة البقرة [٦٩].
ونيط الاستدلال باختلاف الألوان بوصف التذكّر لأنه استدلال يحصل بمجرّد تذكّر الألوان المختلفة إذ هي مشهورة.
وإقحام لفظ (قوم) وكون الجملة تذييلا تقدم آنفا.
وأبدى الفخر في «درة التنزيل» وجها لاختلاف الأوصاف في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة النحل : ١١] وقوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [سورة النحل : ١٢] وقوله : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) : بأن ذلك لمراعاة اختلاف شدّة الحاجة إلى قوة التأمل بدلالة المخلوقات الناجمة عن الأرض يحتاج إلى التفكر ، وهو إعمال النظر المؤدي إلى العلم. ودلالة ما ذرأه في الأرض من الحيوان محتاجة إلى مزيد تأمّل في التفكير للاستدلال على اختلاف أحوالها وتناسلها وفوائدها ، فكانت بحاجة إلى التذكّر ، وهو التفكّر مع تذكّر أجناسها