فشكوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه الآية.
وجزم (يَقُولُوا) على حذف لام الأمر وهو وارد كثيرا بعد الأمر بالقول ، ولك أن تجعل (يَقُولُوا) جوابا منصوبا في جواب الأمر مع حذف مفعول القول لدلالة الجواب عليه. والتقدير : قل لهم : قولوا التي هي أحسن يقولوا ذلك. فيكون كناية على أن الامتثال شأنهم فإذا أمروا امتثلوا. وقد تقدم نظيره في قوله : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) في سورة إبراهيم [٣١].
والنزغ : أصله الطعن السريع ، واستعمل هنا في الإفساد السريع الأثر. وتقدم في قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) في سورة يوسف [١٠٠].
وجملة (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) تعليل للأمر بقول التي هي أحسن. والمقصود من التعليل أن لا يستخفوا بفاسد الأقوال فإنها تثير مفاسد من عمل الشيطان.
ولما كان ضمير (بَيْنَهُمْ) عائدا إلى عبادي كان المعنى التحذير من إلقاء الشيطان العداوة بين المؤمنين تحقيقا لمقصد الشريعة من بث الأخوة الإسلامية.
روى الواحدي : أن عمر بن الخطاب شتمه أعرابي من المشركين فشتمه عمر وهمّ بقتله فكاد أن يثير فتنة فنزلت هذه الآية. وأيّا ما كان سبب النزول فهو لا يقيد إطلاق صيغة الأمر للمسلمين بأن يقولوا التي أحسن في كل حال.
وجملة (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) تعليل لجملة (يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) ، وعلة العلة علة.
وذكر (كان) للدلالة على أن صفة العداوة أمر مستقر في خلقته قد جبل عليه. وعداوته للإنسان متقررة من وقت نشأة آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنه يسول للمسلمين أن يغلظوا على الكفار بوهمهم أن ذلك نصر للدين ليوقعهم في الفتنة ، فإن أعظم كيد الشيطان أن يوقع المؤمن في الشر وهو يوهمه أنه يعمل خيرا.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤))
هذا الكلام متصل بقوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) إلى قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٧ ، ٤٨]. فإن ذلك ينطوي على ما هو شأن نجواهم من التصميم على