إلى إبطال إلهيتهم المزعومة ببرهان الحسّ. وهو مشاهدة أنها لا تغني عنهم كشف الضر.
فأصل ارتباط الكلام هكذا : ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض وآتينا داود زبورا أولئك الذين يدعون يبتغون الآية. فبمناسبة الثناء عليهم بابتهالهم إلى ربهم ذكر ضد ذلك من دعاء المشركين آلهتهم. وقدم ذلك ، على الكلام الذي أثار المناسبة ، اهتماما بإبطال فعلهم ليكون إبطاله كالغرض المقصود ويكون ذكر مقابله كالاستدلال على ذلك الغرض. ولعل هذه الآية نزلت في مدة إصابة القحط قريشا بمكّة ، وهي السبع السنون التي هي دعوة النبيصلىاللهعليهوسلم : «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف». وتسلسل الجدال وأخذ بعضه بحجز بعض حتى انتهى إلى هذه المناسبة.
والملك بمعنى الاستطاعة والقدرة كما في قوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة : ١٧] ، وقوله : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) في سورة العقود [٧٦].
والمقصود من ذلك بيان البون بين الدعاء الحق والدعاء الباطل. ومن نظائر هذا المعنى في القرآن قوله تعالى : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) في سورة الأعراف [١٩٦ ـ ١٩٧].
والكشف : مستعار للإزالة.
والتحويل : نقل الشيء من مكان إلى مكان ، أي لا يستطيعون إزالة الضر عن الجميع ولا إزالته عن واحد إلى غيره.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))
والإشارة ب (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) إلى النبيئين لزيادة تمييزهم.
والمعنى : أولئك الذين إن دعوا يستجب لهم ويكشف عنهم الضر ، وليسوا كالذين تدعونهم فلا يملكون كشف الضر عنكم بأنفسهم ولا بشفاعتهم عند الله كما رأيتم من أنهم لم يغنوا عنكم من الضر كشفا ولا صرفا.
وجملة (يَبْتَغُونَ) حال من ضمير (يَدْعُونَ) أو بيان لجملة (يَدْعُونَ).
والوسيلة : المرتبة العالية القريبة من عظيم كالملك.