جعل غيره مبصرا وذا بصيرة. فالمعنى : أنها مفيدة البصيرة ، أي اليقين ، أي تجعل من رآها ذا بصيرة وتفيده أنها آية. ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [النمل : ١٣].
وخص بالذكر ثمود وآيتها لشهرة أمرهم بين العرب ، ولأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من أهل مكة يبصرها صادرهم وواردهم في رحلاتهم بين مكة والشام.
وقوله : (فَظَلَمُوا بِها) يجوز أن يكون استعمل الظلم بمعنى الكفر لأنه ظلم النفس ، وتكون الباء للتعدية لأن فعل الكفر يعدى إلى المكفور بالباء. ويجوز أن يكون الظلم مضمنا معنى الجحد ، أي كابروا في كونها آية ، كقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤]. ويجوز بقاء الظلم على حقيقته ، وهي الاعتداء بدون حق ، والباء صلة لتوكيد التعدية مثل الباء في (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] ، أي ظلموا الناقة حين عقروها وهي لم تجن عليهم ، فكان عقرها ظلما. والاعتداء على العجماوات ظلم إذا كان غير مأذون فيه شرعا كالصيد.
(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)
هذا بيان لحكمة أخرى في ترك إرسال الآيات إلى قريش ، تشير إلى أن الله تعالى أراد الإبقاء عليهم ليدخل منهم في الإسلام كثير ويكون نشر الإسلام على يد كثير منهم.
وتلك مكرمة للنبي صلىاللهعليهوسلم فلو أرسل الله لهم الآيات كما سألوا مع أن جبلتهم العناد لأصروا على الكفر فحقت عليهم سنّة الله التي قد خلت في عباده وهي الاستئصال عقب إظهار الآيات ، لأن إظهار الآيات تخويف من العذاب والله أراد الإبقاء على هذه الأمة قال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] الآية ، فعوضنا تخويفهم بدلا عن إرسال الآيات التي اقترحوها.
والقول في تعدية (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) كالقول في (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) معنى وتقديرا على الوجهين.
والتخويف : جعل المرء خائفا.
والقصر في قوله : (إِلَّا تَخْوِيفاً) لقصر الإرسال بالآيات على علة التخويف ، وهو قصر إضافي ، أي لا مباراة بين الرسل وأقوامهم أو لا طمعا في إيمان الأقوام فقد علمنا