أصل عداوة الشيطان الناشئة عن الحسد من تفضيله عليه ـ إما لأن هذا الكلام قاله بعد أن أغوى آدم وأخرج من الجنة فقد شفى غليله منه وبقيت العداوة مسترسلة في ذرية آدم ، قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) [فاطر : ٦].
والاحتناك : وضع الراكب اللجام في حنك الفرس ليركبه ويسيّره ، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراده من الإفساد والإغواء بتسيير الفرس على حب ما يريد راكبه.
[٦٣ ، ٦٤] (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤))
جواب من الله تعالى عن سؤال إبليس التأخير إلى يوم القيامة ، ولذلك فصلت جملة (قالَ) على طريقة المحاورات التي ذكرناها عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) [البقرة: ٣٠].
والذهاب ليس مرادا به الانصراف بل هو مستعمل في الاستمرار على العمل ، أي امض لشأنك الذي نويته. وصيغة الأمر مستعملة في التسوية وهو كقول النبهاني من شعراء الحماسة :
فإن كنت سيدنا سدتنا |
|
وإن كنت للخال فاذهب فخل |
وقوله : (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) تفريع على التسوية والزجر كقوله تعالى : (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) [طه : ٩٧].
والجزاء : مصدر جزاء على عمل ، أي أعطاه عن عمله عوضا. وهو هنا بمعنى اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق.
والموفور : اسم مفعول من وفره إذا كثّره.
وأعيد (جَزاءً) للتأكيد ، اهتماما وفصاحة ، كقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف : ٢] ، ولأنه أحسن في جريان وصف الموفور على موصوف متصل به دون فصل. وأصل الكلام : فإن جهنم جزاؤكم موفورا. فانتصاب (جَزاءً) على الحال الموطئة ، و (مَوْفُوراً) صفة له ، وهو الحال في المعنى ، أي جزاء غير منقوص.
والاستفزاز : طلب الفزّ ، وهو الخفة والانزعاج وترك التثاقل. والسين والتاء فيه