وجيء بالجملة الاسمية لدلالتها على الدوام والثبات.
وبتعريف طرفيها للدلالة على الانحصار ، أي ربكم هو الذي يزجي لكم الفلك لا غيره ممن تعبدونه باطلا وهو الذي لا يزال يفعل ذلك لكم.
وجيء بالصلة فعلا مضارعا للدلالة على تكرر ذلك وتحدده. فحصلت في هذه الجملة على إيجازها معان جمة خصوصية. وفي ذلك حد الإعجاز.
ويزجي : يسوق سوقا بطيئا شبه تسخير الفلك للسير في الماء بإزجاء الدابة المثقلة بالحمل.
والفلك هنا جمع لا مفرد. والبحر : الماء الكثير فيشمل الأنهار كالفرات والدجلة ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) في سورة البقرة [١٦٤].
والابتغاء : الطلب. والفضل : الرزق ، أي للتجارة وتقدم عند قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) في سورة البقرة [١٩٨]. وهذا امتنان على الناس كلّهم مناسب لعموم الدعوة ، لأنّ أهل مكة ما كانوا ينتفعون بركوب البحر وإنما ينتفع بذلك عرب اليمن وعرب العراق والناس غيرهم.
وجملة (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) تعليل وتنبيه لموقع الامتنان ليرفضوا عبادة غيره مما لا أثر له في هذه المنة.
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧))
بعد أن ألزمهم الحجة على حق إلهية الله تعالى بما هو من خصائص صنعه باعترافهم ، أعقبه بدليل آخر من أحوالهم المتضمنة إقرارهم بانفراده بالتصرف ثم بالتعجيب من مناقضة أنفسهم عند زوال اضطرارهم.
فجملة (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) خبر مستعمل في التقرير وإلزام الحجة إذ لا يخبر أحد عن فعله إخبارا حقيقيا.
وجملة (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) خبر مستعمل في التعجيب والتوبيخ.
وضر البحر : هو الإشراف على الغرق ؛ لأنه يزعج النفوس خوفا ، فهو ضر لها.