مسألة التفضيل بين البشر والملائكة المختلف في تفاصيلها بيننا وبين المعتزلة. وقد فرضها الزمخشري هنا على عادته من التحكك على أهل السنّة والتعسف لإرغام القرآن على تأييد مذهبه ، وقد تجاوز حد الأدب في هذه المسألة في هذا المقام ، فاستوجب الغضاضة والملام.
ولا شك أن إقحام لفظ (كَثِيرٍ) في قوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) مراد منه التقييد والاحتراز والتعليم الذي لا غرور فيه ، فيعلم منه أن ثم مخلوقات غير مفضل عليها بنو آدم تكون مساوية أو أفضل إجمالا أو تفصيلا ، وتبيينه يتلقى من الشريعة فيما بينته من ذلك ، وما سكتت فلا نبحث عنه.
والإتيان بالمفعول المطلق في قوله : (تَفْضِيلاً) لإفادة ما في التنكير من التعظيم ، أي تفضيلا كبيرا.
[٧١ ، ٧٢] (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢))
انتقال من غرض التهديد بعاجل العذاب في الدنيا الذي في قوله : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) إلى قوله : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) [الإسراء : ٦٦ ـ ٦٩] إلى ذكر حال الناس في الآخرة تبشيرا وإنذارا ، فالكلام استئناف ابتدائي ، والمناسبة ما علمت. ولا يحسن لفظ (يوم) للتعلق بما قبله من قوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٧٠] على أن يكون تخلصا من ذكر التفضيل إلى ذكر اليوم الذي تظهر فيه فوائد التفضيل ، فترجح أنه ابتداء مستأنف استئنافا ابتدائيا ، ففتحة (يَوْمَ) إما فتحة إعراب على أنه مفعول به لفعل شائع الحذف في ابتداء العبر القرآنية وهو فعل «اذكر» فيكون (يَوْمَ) هنا اسم زمان مفعولا للفعل المقدر وليس ظرفا.
والفاء في قوله : (فَمَنْ أُوتِيَ) للتفريع لأن فعل (اذكر) المقدر يقتضي أمرا عظيما مجملا فوقع تفصيله بذكر الفاء وما بعدها فإن التفصيل يتفرع على الإجمال.
وإما أن تكون فتحته فتحة بناء لإضافته اسم الزمان إلى الفعل ، وهو إما في محل رفع بالابتداء ، وخبره جملة (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ). وزيدت الفاء في الخبر على رأي الأخفش ، وقد حكى ابن هشام عن ابن برهان أن الفاء تزاد في الخبر عند جميع البصريين