ثم عطف (قُرْآنَ الْفَجْرِ) على (الصَّلاةَ). والتقدير : وأقم قرآن الفجر ، أي الصلاة به. كذا قدر القراء وجمهور المفسرين ليعلم أن لكل صلاة من تلك الصلوات قرآنا كقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمّل : ٢٠] ، أي صلّوا به نافلة الليل.
وخص ذكر ذلك بصلاة الفجر دون غيرها لأنها يجهر بالقرآن في جميع ركوعها ، ولأن سنتها أن يقرأ بسور من طوال المفصل فاستماع القرآن للمأمومين أكثر فيها وقراءته للإمام والفذ أكثر أيضا.
ويجوز أن يكون عطف (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) عطف جملة والكلام على الإغراء ، والتقدير : والزم قرآن الفجر ، قاله الزجاج. فيعلم أن قراءة القرآن في كل صلاة حتم.
وهذا مجمل في كيفية الصلوات. ومقادير ما تشتمل عليه من القرآن بينته السنّة المتواترة والعرف في معرفة أوقات النهار والليل.
وجملة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) استئناف بياني لوجه تخصيص صلاة الصبح باسم القرآن بأن صلاة الفجر مشهودة ، أي محضورة. وفسّر ذلك بأنها تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار ، كما ورد في الحديث : «وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح». وذلك زيادة في فضلها وبركتها. وأيضا فهي يحضرها أكثر المصلين لأن وقتها وقت النشاط وبعدها ينتظر الناس طلوع الشمس ليخرجوا إلى أعمالهم فيكثر سماع القرآن حينئذ.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩))
عطف على (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [الإسراء : ٧٨] فإنه في تقدير جملة لكونه معمولا لفعل (أَقِمِ) [الإسراء : ٧٨].
وقدم المجرور المتعلق ب «تهجّد» على متعلقه اهتماما به وتحريضا عليه. وبتقديمه اكتسب معنى الشرط والجزاء فجعل متعلقه بمنزلة الجزاء فأدخلت عليه فاء الجزاء. وهذا مستعمل في الظروف والمجرورات المتقدمة على متعلقاتها ، وهو استعمال فصيح. ومنه قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) [المطففين : ٢٦] وقول النبيصلىاللهعليهوسلم : «ففيهما فجاهد» ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) في سورة براءة[٧].
وجعل الزجاج والزمخشري قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ) في معنى الإغراء بناء على أن نصب