وجملة (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) تذييل للجملة التي قبله لما فيه من عموم يشمل كل باطل في كل زمان. وإذا كان هذا شأن الباطل كان الثبات والانتصار شأن الحق لأنه ضد الباطل فإذا انتفى الباطل ثبت الحق.
وبهذا كانت الجملة تذييلا لجميع ما تضمنته الجملة التي قبلها. والمعنى : ظهر الحق في هذه الأمة وانقضى الباطل فيها ، وذلك شأن الباطل فيما مضى من الشرائع أنه لا ثبات له.
ودل فعل (كانَ) على أن الزهوق شنشنة الباطل ، وشأنه في كل زمان أنه يظهر ثم يضمحل ، كما تقدم في قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) في صدر سورة يونس [٢].
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢))
عطف على جملة (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] على ما في تلك الجملة والجمل التي سبقتها من معنى التأييد للنبي صلىاللهعليهوسلم ومن الإغاظة للمشركين ابتداء من قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٧٣]. فإنه بعد أن امتن عليه بأن أيده بالعصمة من الركون إليهم وتبشيره بالنصرة عليهم وبالخلاص من كيدهم ، وبعد أن هددهم بأنهم صائرون قريبا إلى هلاك وأن دينهم صائر إلى الاضمحلال ، أعلن له ولهم في هذه الآية : أن ما منه غيظهم وحنقهم ، وهو القرآن الذي طمعوا أن يسألوا النبي أن يبدله بقرآن ليس فيه ذكر أصنامهم بسوء ، أنه لا يزال متجددا مستمرا ، فيه شفاء للرسول وأتباعه وخسارة لأعدائه الظالمين ، ولأن القرآن مصدر الحق ومدحض الباطل أعقب قوله : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] بقوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ) الآية. ولهذا اختير للإخبار عن التنزيل الفعل المضارع المشتق من فعّل المضاعف للدلالة على التجديد والتكرير والتكثير ، وهو وعد بأنه يستمر هذا التنزيل زمنا طويلا.
و (ما هُوَ شِفاءٌ) مفعول (نُنَزِّلُ). و (مِنَ الْقُرْآنِ) بيان لما في (ما) من الإبهام كالتي في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، أي الرجس الذي هو الأوثان. وتقديم البيان لتحصيل غرض الاهتمام بذكر القرآن مع غرض الثناء عليه بطريق الموصولية بقوله : (ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ) إلخ ، للدلالة على تمكن ذلك الوصف منه