بحيث يعرف به. والمعنى : ننزل الشفاء والرحمة وهو القرآن. وليست (من) للتبعيض ولا للابتداء.
والشفاء حقيقته زوال الداء ، ويستعمل مجازا في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيها له ببرء السقم ، كقول عنترة :
ولقد شفى نفسي وابرأ سقمها |
|
قيل الفوارس : ويك عنتر قدّم |
والمعنى : أن القرآن كله شفاء ورحمة للمؤمنين ويزيد خسارة للكافرين ، لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده ، كل آية من ذلك مشتملة على هدي وصلاح حال للمؤمنين المتبعينه ، ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم ، أي الشرك ، فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن فيزدادون بذلك خسارا بزيادة آثامهم واستمرارهم على فاسد أخلاقهم وبعد ما بينهم وبين الإيمان. وهذا كقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥].
وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها من الأدواء والآلام ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المشترك في معنييه. وهذا مما بينا تأصيله في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير.
والأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة بله الاستعاذة بآيات منه من الضلال كثيرة في «صحيح البخاري» و «جامع الترمذي» وغيرهما ، وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري ـ رضياللهعنه ـ قال : «بعثنا رسول الله في سرية ثلاثين راكبا فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلدغ سيد الحيّ فأتونا ، فقالوا : أفيكم أحد يرقي من العقرب؟ قال : قلت : نعم ولكن لا أفعل حتى يعطونا ، فقالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، قال : فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات فبرأ» الحديث. وفيه : «حتى أتينا رسول الله فأخبرته فقال : وما يدريك أنها رقية ، قلت : يا رسول الله شيء ألقي في روعي (أي إلهام ألهمه الله) ، قال : كلوا وأطعمونا من الغنم». فهذا تقرير من النبيصلىاللهعليهوسلم بصحة إلهام أبي سعيد ـ رضياللهعنه ـ.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣))