وكأنما ينأى بجانب دفّها ال |
|
وحشيّ من هزج العشي مؤوم (١) |
فالمفاد من قوله : (وَنَأى بِجانِبِهِ) صد عن العبادة والشكر. وهذا غير المفاد من معنى (أَعْرَضَ) فليس تأكيدا له ، فالمعنى : أعرض وتباعد.
وحذف متعلق (أَعْرَضَ وَنَأى) لدلالة المقام عليه من قوله : (أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) ، أي أعرض عنا وأجفل منا ، أي من عبادتنا وأمرنا ونهينا.
وقرأ الجمهور (وَنَأى) بهمزة بعد النون وألف بعد الهمزة.
وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان وأبو جعفر وناء بألف بعد النون ثم همزة. وهذا من القلب المكاني لأن العرب قد يتطلبون تخفيف الهمزة إذا وقعت بعد حرف صحيح وبعدها مدة فيقلبون المدة قبل الهمزة لأن وقوعها بعد المد أخف. من ذلك قولهم : راء في رأى ، وقولهم : آرام في أرام ، جمع رئم ، وقيل : ناء في هذه القراءة بمعنى ثقل ، أي عن الشكر ، أي في معنى قوله تعالى : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٧٦].
وجملة (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) احتراس من أن يتوهم السامع من التقييد بقوله: (وَإِذا أَنْعَمْنا) أنه إذا زالت عنه النعمة صلح حاله فبين أن حاله ملازم لنكران الجميل في السراء والضراء ، فإذا زالت النعمة عنه لم يقلع عن الشرك والكفر ويتب إلى الله ولكنه ييأس من الخير ويبقى حنقا ضيق الصدر لا يعرف كيف يتدارك أمره.
ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله في سورة فصلت [٥١](وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) كما سيأتي هنالك.
ودل قوله : (كانَ يَؤُساً) على قوة يأسه إذ صيغ له مثال المبالغة. وأقحم معه فعل (كان) الدال على رسوخ الفعل ، تعجيبا من حاله في وقت مس الضر إياه لأن حالة الضر أدعى إلى الفكرة في وسائل دفعه ، بخلاف حالة الإعراض في وقت النعمة فإنها حالة لا يستغرب فيها الازدهاء لما هو فيه من النعمة.
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))
__________________
(١) أراد أنها مجفلة في سيرها نشطة ، فهي حين تسير تميل إلى جانبها كان هرا يخدش جانبها الأيسر فتميل إلى جهة اليمين ، أي لا تسير على استقامة ، وذلك من نشاط الدواب.