المتكلمين : إنها من الجواهر المجردة ، وهو غير بعيد عن قول بعضهم : هي من الأجسام اللطيفة والأرواح حادثة عند المتكلمين من المسلمين وهو قول أرسطاليس. وقال قدماء الفلاسفة : هي قديمة. وذلك قريب من مرادهم في القول بقدم العالم. ومعنى كونها حادثة أنها مخلوقة لله تعالى. فقيل : الأرواح مخلوقة قبل خلق الأبدان التي تنفخ فيها ، وهو الأصح الجاري على ظواهر كلام النبي صلىاللهعليهوسلم فهي موجودة من الأزل كوجود الملائكة والشياطين ، وقيل : تخلق عند إرادة إيجاد الحياة في البدن الذي توضع فيه واتفقوا على أن الأرواح باقية بعد فناء أجسادها وأنها تحضر يوم الحساب.
[٨٦ ، ٨٧] (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧))
هذا متصل بقوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) [الإسراء : ٨٢] الآية أفضت إليه المناسبة فإنه لما تضمن قوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] تلقين كلمة علم جامعة ، وتضمن أن الأمة أوتيت علما ومنعت علما ، وأن علم النبوءة من أعظم ما أوتيته ، أعقب ذلك بالتنبيه إلى الشكر على نعمة العلم دفعا لغرور النفس ، لأن العلم بالأشياء يكسبها إعجابا بتميزها عمن دونها فيه ، فأوقظت إلى أن الذي منح العلم قادر على سلبه ، وخوطب بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم لأن علمه أعظم علم ، فإذا كان وجود علمه خاضعا لمشيئة الله فما الظن بعلم غيره ، تعريضا لبقية العلماء. فالكلام صريحه تحذير ، وهو كناية عن الامتنان كما دل عليه قوله بعده (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) وتعريض بتحذير أهل العلم.
واللام موطئة للقسم المحذوف قبل الشرط.
وجملة (لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) جواب القسم. وهو دليل جواب الشرط ومغن عنه.
و (لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا) بمعنى لنذهبنه ، أي عنك ، وهو أبلغ من (نذهبه) كما تقدم في قوله : (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) [الإسراء : ١].
وما صدق الموصول القرآن.
و (ثم) للترتيب الرتبي ، لأن نفي الطمع في استرجاع المسلوب أشد على النفس من