ولما كان المشي والاطمئنان في الأرض من صفة الإنسان آل المعنى إلى : لو كنتم ملائكة لنزلنا عليكم من السماء ملكا فلما كنتم بشرا أرسلنا إليكم بشرا مثلكم.
ومجيء الهدى هو دعوة الرسل إلى الهدى.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦))
بعد أن خص الله محمدا صلىاللهعليهوسلم بتلقين الحجة القاطعة للضلالة أردف ذلك بتلقينه أيضا ما لقنه الرسل السابقين من تفويض الأمر إلى الله وتحكيمه في أعدائه ، فأمره ب (قُلْ كَفى بِاللهِ) تسلية له وتثبيتا لنفسه وتعهدا له بالفصل بينه وبينهم كما قال نوح وهود (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) [المؤمنون : ٢٦] ، وغيرهما من الرسل قال قريبا من ذلك.
وفي هذا رد لمجموع مقترحاتهم المتقدمة على وجه الإجمال.
ومفعول (كَفى) محذوف ، تقديره : كفاني. والشهيد : الشاهد ، وهو المخبر بالأمر الواقع كما وقع.
وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمحق على المبطل ، فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم ، والقرينة قوله : (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) لأن ظرف (بين) يناسب معنى الحكم. وهذا بمعنى قوله تعالى : (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)[الأعراف : ٨٧]وقوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [الممتحنة : ٣].
والباء الداخلة على اسم الجلالة زائدة لتأكيد لصوق فعل (كَفى) بفاعله. وأصله : كفى الله شهيدا.
وجملة (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) تعليل للاكتفاء به تعالى ، والخبير : العليم. وأريد به العليم بالنوايا والحقائق ، والبصير : العليم بالذوات والمشاهدات من أحوالها. ، والمقصود من اتباعه به إحاطة العلم وشموله.
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧))
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) يجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ