(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً).
جملة معترضة بين جملة (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) وجملة (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ)[الإسراء : ١٠٦]. أي وفي ذلك الحق نفع وضر فأنت به مبشر للمؤمنين ونذير للكافرين.
والقصر للرد على الذين سألوه أشياء من تصرفات الله تعالى والذين ظنوا أن لا يكون الرسول بشرا.
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦))
عطف على جملة (أَنْزَلْناهُ) [الإسراء : ١٠٥].
وانتصب (قُرْآناً) على الحال من الضمير المنصوب في (فَرَقْناهُ) مقدمة على صاحبها تنويها الكون قرآنا ، أي كونه كتابا مقروءا. فإن اسم القرآن مشتق من القراءة ، وهي التلاوة ، إشارة إلى أنه من جنس الكلام الذي يحفظ ويتلى ، كما أشار إليه قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) [الحجر : ١] ، وقد تقدم بيانه. فهذا الكتاب له أسماء باختلاف صفاته فهو كتاب ، وقرآن ، وفرقان ، وذكر ، وتنزيل.
وتجري عليه هذه الأوصاف أو بعضها باختلاف المقام ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [الإسراء : ٧٨] وقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل : ٢٠] باعتبار أن المقام للأمر بالتلاوة في الصلاة أو مطلقا ، وإلى قوله : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] في مقام كونه فارقا بين الحق والباطل ، ولهذا لم يوصف من الكتب السماوية بوصف القرآن غير الكتاب المنزل على محمدصلىاللهعليهوسلم.
ومعنى (فَرَقْناهُ) جعلناه فرقا ، أي أنزلناه منجما مفرقا غير مجتمع صبرة واحدة. يقال : فرق الأشياء إذا باعد بينها ، وفرق الصبرة إذا جزأها. ويطلق الفرق على البيان لأن البيان يشبه تفريق الأشياء المختلطة ، فيكون (فَرَقْناهُ) محتملا معنى بيناه وفصلناه ، وإذ قد كان قوله : (قُرْآناً) حالا من ضمير (فَرَقْناهُ) آل المعنى إلى : أنا فرقناه وأقرأناه.
وقد علل بقوله : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ). فهما علتان : أن يقرأ على الناس وتلك علة لجعله قرآنا ، وأن يقرأ على مكث ، أي مهل وبطء وهي علة لتفريقه.
والحكمة في ذلك أن تكون ألفاظه ومعانيه أثبت في نفوس السامعين.