فالخرور المحكي بالجملة الثانية هو الخرور الأول ، وإنما خروا خرورا واحدا ساجدين باكين ، فذكر مرتين اهتماما بما صحبه من علامات الخشوع.
وذكر (يَبْكُونَ) بصيغة المضارع لاستحضار الحالة.
والبكاء بكاء فرح وبهجة. والبكاء : يحصل من انفعال باطني ناشئ عن حزن أو عن خوف أو عن شوق.
ويزيدهم القرآن خشوعا على خشوعهم الذي كان لهم من سماع كتابهم.
ومن السنة سجود القارئ والمستمع له بقصد هذه الآية اقتداء بأولئك الساجدين بحيث لا يذكر المسلم سجود أهل الكتاب عند سماع القرآن إلا وهو يرى نفسه أجدر بالسجود عند تلاوة القرآن.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠))
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)
لا شك أن لنزول هذه الآية سببا خاصا إذ لا موجب لذكر هذا التخيير بين دعاء الله تعالى باسمه العلم وبين دعائه بصفة الرحمن خاصة دون ذكر غير تلك الصفة من صفات الله مثل : الرحيم أو العزيز وغيرهما من الصفات الحسنى.
ثم لا بد بعد ذلك من طلب المناسبة لوقوعها في هذا الموضع من السورة.
فأما سبب نزولها فروى الطبري والواحدي عن ابن عباس قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم ساجدا يدعو يا رحمان يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى ، فأنزل الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). وعليه فالاقتصار على التخيير في الدعاء بين اسم الله وبين صفة الرحمن اكتفاء ، أي أو الرحيم.
وفي «الكشاف» : عن ابن عباس سمع أبو جهل النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : يا الله يا رحمان. فقال أبو جهل : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر. وأخرجه ابن مردويه. وهذا أنسب بالآية لاقتصارها على اسم الله وصفة الرحمن.