وأما موقعها هنا فيتعين أن يكون سبب نزولها حدث حين نزول الآية التي قبلها.
والكلام رد وتعليم بأن تعدد الأسماء لا يقتضي تعدد المسمى ، وشتان بين ذلك وبين دعاء المشركين آلهة مختلفة الأسماء والمسميات ، والتوحيد والإشراك يتعلقان بالذوات لا بالأسماء.
و (أي) اسم استفهام في الأصل ، فإذا اقترنت بها (ما) الزائدة أفادت الشرط كما تفيده كيف إذا اقترنت بها (ما) الزائدة. ولذلك جزم الفعل بعدها وهو (تَدْعُوا) شرطا ، وجيء لها بجواب مقترن بالفاء ، وهو (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
والتحقيق أن (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) علة الجواب. والتقدير : أي اسم من أسمائه تعالى تدعون فلا حرج في دعائه بعدة أسماء إذ له الأسماء الحسنى وإذ المسمى واحد.
ومعنى (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم ، أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا ، فالمسمى واحد. وعلى هذا التفسير قد وقع تجوز في فعل (ادْعُوا) مستعملا في معنى اذكروا أو سموا في دعائكم.
ويجوز أن يكون الدعاء مستعملا في معنى سمّوا ، وهو حينئذ يتعدى إلى مفعولين. والتقدير : سموا ربكم الله أو سموه الرحمن ، وحذف المفعول الأول من الفعلين وأبقي الثاني لدلالة المقام.
(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)
لا شك أن لهذه الجملة اتصالا بجملة (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) يؤيد ما تقدم في وجه اتصال قوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) بالآيات التي قبله ، فقد كان ذلك بسبب جهر النبي صلىاللهعليهوسلم في دعائه باسم الرحمن.
والصلاة : تحتمل الدعاء ، وتحتمل العبادة المعروفة وقد فسرها السلف هنا بالمعنيين. ومعلوم أن من فسر الصلاة بالعبادة المعروفة فإنما أراد قراءتها خاصة لأنها التي توصف بالجهر والمخافتة.
وعلى كلا الاحتمالين فقد جهر النبي صلىاللهعليهوسلم بذكر الرحمن ، فقال فريق من المشركين : ما الرحمن؟ وقالوا : إن محمدا يدعو إلهين ، وقام فريق منهم يسب القرآن ومن جاء به ، أو يسب الرحمن ظنا أنه رب آخر غير الله تعالى وغير آلهتهم ، فأمر الله رسوله أن لا يجهر