أم كان بروحه في رؤيا هي مشاهدة روحانية كاملة ورؤيا الأنبياء حق. والجمهور قالوا : هو إسراء بالجسد في اليقظة ، وقالت عائشة ومعاوية والحسن البصري وابن إسحاق ـ رضياللهعنهم ـ أنه إسراء بروحه في المنام ورؤيا الأنبياء وحي.
واستدل الجمهور بأن الامتنان في الآية وتكذيب قريش بذلك دليلان على أنه ما كان الإخبار به إلا على أنه بالجسد. واتفق الجميع على أن قريشا استوصفوا من النبيصلىاللهعليهوسلم علامات في بيت المقدس وفي طريقه فوصفها لهم كما هي ، ووصف لهم عيرا لقريش قافلة في طريق معين ويوم معين فوجدوه كما وصف لهم.
ففي «صحيح البخاري» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «بينما أنا في المسجد الحرام بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل ...» إلى آخر الحديث. وهذا أصح وأوضح مما روي في حديث آخر أن الإسراء كان من بيته أو كان من بيت أم هاني بنت أبي طالب أو من شعب أبي طالب.
والتحقيق حمل ذلك على أنه إسراء آخر ، وهو الوارد في حديث المعراج إلى السماوات وهو غير المراد في هذه الآية. فللنبي صلىاللهعليهوسلم كرامتان : أولاهما الإسراء وهو المذكور هنا ، والأخرى المعراج وهو المذكور في حديث «الصحيحين» مطولا وأحاديث غيره. وقد قيل : إنه هو المشار إليه في سورة النجم.
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢))
عطف على جملة (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) [الإسراء : ١] إلخ فهي ابتدائية. والتقدير : الله أسرى بعبده محمد وآتى موسى الكتاب ، فهما منتان عظيمتان على جزء عظيم من البشر. وهو انتقال إلى غرض آخر لمناسبة ذكر المسجد الأقصى. فإن أطوار المسجد الأقصى تمثل ما تطور به حال بني إسرائيل في جامعتهم من أطوار الصلاح والفساد ، والنهوض والركود ، ليعتبر بذلك المسلمون فيقتدوا أو يحذروا.
ولمناسبة قوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١] فإن من آيات الله التي أوتيها النبي صلىاللهعليهوسلم آية القرآن ، فكان ذلك في قوة أن يقال : وآتيناه القرآن وآتينا موسى الكتاب (أي التوراة) ، كما يشهد به قوله بعد ذلك (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] أي للطريقة التي هي أقوم من طريقة التوراة وإن كان كلاهما هدى ، على ما في حالة