الإسراء بالنبيء ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليلا ليرى من آيات الله تعالى من المناسبة لحالة موسى ـ عليهالسلام ـ حين أوتي النبوة ، فقد أوتي النبوءة ليلا وهو سار بأهله من أرض مدين إذ آنس من جانب الطور نارا ، ولحاله أيضا حين أسري به إلى مناجاة ربه بآيات الكتاب.
والكتاب هو المعهود إيتاؤه موسى ـ عليهالسلام ـ وهو التوراة. وضمير الغائب في (جَعَلْناهُ) للكتاب ، والإخبار عنه بأنه هدى مبالغة لأن الهدى بسبب العمل بما فيه فجعل كأنه نفس الهدى ، كقوله تعالى في القرآن : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢].
وخص بني إسرائيل لأنهم المخاطبون بشريعة التوراة دون غيرهم ، فالجعل الذي في قوله: (وَجَعَلْناهُ) هو جعل التكليف. وهم المراد ب «الناس» في قوله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) [الأنعام : ٩١] ، لأن الناس قد يطلق على بعضهم ، على أن ما هو هدى لفريق من الناس صالح لأن ينتفع بهديه من لم يكن مخاطبا بكتاب آخر ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٤].
وقرأ الجمهور (أَلَّا تَتَّخِذُوا) ـ بتاء الخطاب ـ على الأصل في حكاية ما يحكى من الأقوال المتضمنة نهيا ، فتكون (أن) تفسيرية لما تضمنه لفظ (الكتاب) من معنى الأقوال ، ويكون التفسير لبعض ما تضمنه الكتاب اقتصارا على الأهم منه وهو التوحيد. وقرأ أبو عمرو وحده ـ بياء الغيبة ـ على اعتبار حكاية القول بالمعنى ، أو تكون (أن) مصدرية مجرورة بلام محذوفة حذفا مطردا ، والتقدير : آتيناهم الكتاب لئلا يتخذوا من دوني وكيلا.
والوكيل : الذي تفوض إليه الأمور. والمراد به الرب ، لأنه يتكل عليه العباد في شئونهم ، أي أن لا تتخذوا شريكا تلجئون إليه. وقد عرف إطلاق الوكيل على الله في لغة بني إسرائيل كما حكى الله عن يعقوب وأبنائه (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) [يوسف : ٦٦].
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣))
يجوز أن يكون اعتراضا في آخر الحكاية ليس داخلا في الجملة التفسيرية. فانتصاب (ذُرِّيَّةَ) على الاختصاص لزيادة بيان بني إسرائيل بيانا مقصودا به التعريض بهم إذ لم يشكروا النعمة. ويجوز أن يكون من تمام الجملة التفسيرية ، أي حال كونكم ذرية من حملنا مع نوح ـ عليهالسلام ـ ، أو ينتصب على النداء بتقدير حرف النداء ، أي يا ذرية من