وعلوهم مرتين وأن ذلك جزاء إهمالهم وعد الله نوحا ـ عليهالسلام ـ حينما نجاه.
وتأكيد كون نوح (كانَ عَبْداً شَكُوراً) بحرف (إنّ) تنزيل لهم منزلة من يجهل ذلك ؛ إما لتوثيق حملهم على الاقتداء به إن كانت الجملة خطابا لبني إسرائيل من تمام الجملة التفسيرية ، وإما لتنزيلهم منزلة من جهل ذلك حتى تورطوا في الفساد فاستأهلوا الاستئصال وذهاب ملكهم ، لينتقل منه إلى التعريض بالمشركين من العرب بأنهم غير مقتدين بنوح لأن مثلهم ومثل بني إسرائيل في هذا السياق واحد في جميع أحوالهم ، فيكون التأكيد منظورا فيه إلى المعنى التعريضي.
ومعنى كون نوح (عَبْداً) أنه معترف لله بالعبودية غير متكبر بالإشراك ، وكونه (شَكُوراً) ، أي شديدا لشكر الله بامتثال أوامره. وروي أنه كان يكثر حمد الله.
والاقتداء بصالح الآباء مجبولة عليه النفوس ومحل تنافس عند الأمم بحيث يعد خلاف ذلك كمثير للشك في صحة الانتساب.
وكان نوح ـ عليهالسلام ـ مثلا في كمال النفس وكانت العرب تعرف ذلك وتنبعث على الاقتداء به. قال النابغة :
فألفيت الأمانة لم تخنها |
|
كذلك كان نوح لا يخون |
[٤ ، ٥] (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥))
عطف على جملة (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الإسراء : ٢] ، أي آتينا موسى الكتاب هدى ، وبينا لبني إسرائيل في الكتاب ما يحل بهم من جراء مخالفة هدي التوراة إعلاما لهذه الأمة بأن الله لم يدخر أولئك إرشادا ونصحا ، فالمناسبة ظاهرة.
والقضاء بمعنى الحكم وهو التقدير ، ومعنى كونه في الكتاب أن القضاء ذكر في الكتاب ، وتعدية (قَضَيْنا) بحرف (إلى) لتضمين (قَضَيْنا) معنى (أبلغنا) ، أي قضينا وأنهينا ، كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) في سورة الحجر [٦٦]. فيجوز أن يكون المراد ب (الكتاب) كتاب التوراة والتعريف للعهد لأنه ذكر الكتاب آنفا ، ويوجد في مواضع ، منها ما هو قريب مما في هذه الآية لكن بإجمال (انظر الإصحاح ٢٦ والإصحاح