بذلك الفعل. وقد تكرر في القرآن ، قال تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء: ١٣٠] وقال : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢].
وقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) جاء على طريقة التجريد بأن جعلت نفس المحسن كذات يحسن لها. فاللام ـ لتعدية فعل (أَحْسَنْتُمْ) ، يقال : أحسنت لفلان.
وكذلك قوله : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها). فقوله : (فَلَها) متعلق بفعل محذوف بعد فاء الجواب ، تقديره : أسأتم لها. وليس المجرور بظرف مستقر خبرا عن مبتدأ محذوف يدل عليه فعل (أَسَأْتُمْ) لأنه لو كان كذلك لقال فعليها ، كقوله في سورة فصلت [٤٦](مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها).
ووجه المخالفة بين أسلوب الآيتين أن آية فصلت ليس فيها تجريد ، إذ التقدير فيها : فعمله لنفسه وإساءته عليه ، فلما كان المقدر اسما كان المجرور بعده مستقرا غير حرف تعدية ، فجرى على ما يقتضيه الإخبار من كون الشيء المخبر عنه نافعا فيخبر عنه بمجرور باللام ، أو ضارا يخبر عنه بمجرور ب (على) ، وأما آية الإسراء ففعل «أحسنتم وأسأتم» الواقعان في الجوابين مقتضيان التجريد فجاءا على أصل تعديتهما باللام لا لقصد نفع ولا ضر.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)
تفريع على قوله : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، إذ تقدير الكلام فإذا أسأتم وجاء وعد المرة الآخرة.
وقد حصل بهذا التفريع إيجاز بديع قضاء لحقّ التقسيم الأول في قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) [الإسراء : ٥] ، ولحقّ إفادة ترتب مجيء وعد الآخرة على الإساءة ، ولو عطف بالواو كما هو مقتضى ظاهر التقسيم إلى مرتين فاتت إفادة الترتب والتفرع.
و (الْآخِرَةِ) صفة لمحذوف دل عليه قوله : (مَرَّتَيْنِ) ، أي وعد المرة الآخرة.
وهذا الكلام من بقية ما قضي في الكتاب بدليل تفريعه بالفاء.
والآخرة ضد الأولى.
ولا مات «ليسوءوا ، وليدخلوا ، وليتبروا» للتعليل ، وليست للأمر لاتفاق القراءات