فخربت أورشليم واحترق المسجد ، وأسر (طيطوس) نيفا وتسعين ألفا من اليهود ، وقتل من اليهود في تلك الحروب نحو ألف ألف ، ثم استعادوا المدينة وبقي منهم شرذمة قليلة بها إلى أن وافاهم الأمبراطور الروماني (أدريانوس) فهدمها وخربها ورمى قناطير الملح على أرضها كيلا تعود صالحة للزراعة ، وذلك سنة ١٣٥ للمسيح. وبذلك انتهى أمر اليهود وانقرض ، وتفرقوا في الأرض ولم تخرج أورشليم من حكم الرومان إلا حين فتحها المسلمون في زمن عمر بن الخطاب سنة ١٦ ه صلحا مع أهلها وهي تسمى يومئذ (إيلياء).
وقوله : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) يجوز أن تكون الواو عاطفة على جملة (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) عطف الترهيب على الترغيب.
ويجوز أن تكون معترضة والواو اعتراضية. والمعنى : بعد أن يرحمكم ربكم ويؤمنكم في البلاد التي تلجئون إليها ، إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى عقابكم ، أي عدنا لمثل ما تقدم من عقاب الدنيا.
وجملة (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) عطف على جملة (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) لإفادة أن ما ذكر قبله من عقاب إنما هو عقاب دنيوي وأن وراءه عقاب الآخرة.
وفيه معنى التذييل لأن التعريف في (لِلْكافِرِينَ) يعم المخاطبين وغيرهم. ويومئ هذا إلى أن عقابهم في الدنيا ليس مقصورا على ذنوب الكفر بل هو منوط بالإفساد في الأرض وتعدي حدود الشريعة. وأما الكفر بتكذيب الرسل فقد حصل في المرة الآخرة فإنهم كذبوا عيسى ، وأما في المرة الأولى فلم تأتهم رسل ولكنهم قتلوا الأنبياء مثل أشعياء ، وأرمياء ، وقتل الأنبياء كفر.
والحصير : المكان الذي يحصر فيه فلا يستطاع الخروج منه ، فهو إما فعيل بمعنى فاعل ، وإما بمعنى مفعول على تقدير متعلق ، أي محصور فيه.
[٩ ، ١٠] (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠))
استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى الغرض الأهم من هذه السورة وهو تأييد