وجاء التعليل لحكمة آية النهار خاصة دون ما يقابلها من حكمة الليل لأن المنة بها أوضح ، ولأن من التنبه إليها يحصل التنبه إلى ضدها وهو حكمة السكون في الليل ، كما قال : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) كما تقدم في سورة يونس [٦٧].
ثم ذكرت حكمة أخرى حاصلة من كلتا الآيتين. وهي حكمة حساب السنين ، وهي في آية الليل أظهر لأن جمهور البشر يضبط الشهور والسنين بالليالي ، أي حساب القمر.
والحساب يشمل حساب الأيام والشهور والفصول فعطفه على (عَدَدَ السِّنِينَ) من عطف العام على الخاص للتعميم بعد ذكر الخاص اهتماما به.
وجملة (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) تذييل لقوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) باعتبار ما سيق له من الإشارة إلى أن للشر والخير والموعود بهما أجلا ينتهيان إليه. والمعنى : أن ذلك الأجل محدود في علم الله تعالى لا يعدوه ، فلا يقرّبه استعجال ولا يؤخره استبطاء لأن الله قد جعل لكل شيء قدرا لا إبهام فيه ولا شك عنده.
أن للخير وللشر مدى (١) |
|
................... |
فلا تحسبوا ذلك وعدا سدى.
والتفصيل : التبيين والتمييز وهو مشتق من الفصل بمعنى القطع لأن التبيين يقتضي عدم التباس الشيء بغيره. وقد تقدم في قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) صدر [هود : ١].
والتفصيل في الأشياء يكون في خلقها ، ونظامها ، وعلم الله بها ، وإعلامه بها. فالتفصيل الذي في علم الله وفي خلقه ونواميس العوالم عام لكل شيء وهو مقتضى العموم هنا. وأما ما فصله الله للناس من الأحكام والأخبار فذلك بعض الأشياء ، ومنه قوله تعالى. (يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد : ٢] وقوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام : ٩٧]. وذلك بالتبليغ على السنة الرسل وبما خلق في الناس من إدراك العقول ، ومن جملة ما فصله للناس الإرشاد إلى التوحيد وصالح الأعمال والإنذار على العصيان. وفي هذا تعريض بالتهديد.
__________________
(١) صدر بيت وتمامه : «وكلا ذلك وجه وقبل». وهو لعبد الله بن الزبعرى.