وانتصب (كُلَّ شَيْءٍ) بفعل مضمر يفسره (فَصَّلْناهُ) لاشتغال المذكور بضمير مفعول المحذوف.
[١٣ ، ١٤](وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤))
لما كان سياق الكلام جاريا في طريق الترغيب في العمل الصالح والتحذير من الكفر والسيئات ابتداء من قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله تعالى : (عَذاباً أَلِيماً) [الإسراء : ٩ ـ ١٠] وما عقبه مما يتعلق بالبشارة والنذارة وما أدمج في خلال ذلك من التذكير ثم بما دل على أن علم الله محيط بكل شيء تفصيلا ، وكان أهم الأشياء في هذا المقام إحاطة علمه بالأعمال كلها ، فأعقب ذكر ما فصله الله من الأشياء بالتنبيه على تفصيل أعمال الناس تفصيلا لا يقبل الشك ولا الإخفاء وهو التفصيل المشابه للتقييد بالكتابة ، فعطف قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ) إلخ على قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) [الإسراء : ١٢] عطف خاص على عام للاهتمام بهذا الخاص. والمعنى : وكل إنسان قدرنا له عمله في علمنا فهو عامل به لا محالة وهذا من أحوال الدنيا.
والطائر : أطلق على السهم ، أو القرطاس الذي يعين فيه صاحب الحظّ في عطاء أو قرعة لقسمة أو أعشار جزور الميسر ، يقال : اقتسموا الأرض فطار لفلان كذا ، ومنه قول أم العلاء الأنصارية في حديث الهجرة : «اقتسم الأنصار المهاجرين فطار لنا عثمان بن مظعون ...» وذكرت قصة وفاته.
وأصل إطلاق الطائر على هذا : إما لأنهم كانوا يرمون السهام المرقومة بأسماء المتقاسمين على صبر الشيء المقسوم المعدة للتوزيع. فكل من وقع السهم المرقوم باسمه على شيء أخذه. وكانوا يطلقون على رمي السهم فعل الطيران لأنهم يجعلون للسهم ريشا في قذذه ليخف به اختراقه الهواء عند رميه من القوس ، فالطائر هنا أطلق على الحظ من العمل مثل ما يطلق اسم السهم على حظ الإنسان من شيء ما.
وإما من زجر الطير لمعرفة بخت أو شؤم الزاجر من حالة الطير التي تعترضه في طريقه ، والأكثر أن يفعلوا ذلك في أسفارهم ، وشاع ذلك في الكلام فأطلق الطائر على حظ الإنسان من خير أو شر.
والإلزام : جعله لازما له ، أي غير مفارق ، يقال : لزمه إذا لم يفارقه.