وقوله : (فِي عُنُقِهِ) يجوز أن يكون كناية عن الملازمة والقرب ، أي عمله لازم له لزوم القلادة. ومنه قول العرب تقلدها طوق الحمامة ، فلذلك خصت بالعنق لأن القلادة توضع في عنق المرأة. ومنه قول الأعشى :
والشعر قلدته سلامة ذا فا |
|
ئش والشيء حيثما جعلا (١) |
ويحتمل أن يكون تمثيلا لحالة لعلها كانت معروفة عند العرب وهي وضع علامات تعلق في الرقاب للذين يعيّنون لعمل ما أو ليؤخذ منهم شيء ، وقد كان في الإسلام يجعل ذلك لأهل الذمة ، كما قال بشار :
كتب الحبّ لها في عنقي |
|
موضع الخاتم من أهله الذمم |
ويجوز أن يكون (فِي عُنُقِهِ) تمثيلا بالبعير الذي يوسم في عنقه بسمة كيلا يختلط بغيره ، أو الذي يوضع في عنقه جلجل لكيلا يضل عن صاحبه.
والمعنى على الجميع أن كل إنسان يعامل بعمله من خير أو شر لا ينقص له منه شيء. وهذا غير كتابة الأعمال التي ستذكر عقب هذا بقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) الآية.
وعطف جملة (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) إخبار عن كون تلك الأعمال المعبر عنها بالطائر تظهر يوم القيامة مفصلة معينة لا تغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصيت للجزاء عليها.
وقرأ الجمهور (وَنُخْرِجُ) بنون العظمة وبكسر الراء ، وقرأه يعقوب بياء الغيبة وكسر الراء ، والضمير عائد إلى الله المعلوم من المقام ، وهو التفات. وقرأه أبو جعفر بياء الغيبة في أوله مبنيا للنائب على أن (لَهُ) نائب فاعل و (كِتاباً) منصوبا على المفعولية وذلك جائز.
والكتاب : ما فيه ذكر الأعمال وإحصاؤها. والنشر : ضد الطي.
ومعنى (يَلْقاهُ) يجده. استعير فعل يلقى لمعنى يجد تشبيها لوجدان النسبة بلقاء الشخص. والنشر كناية عن سرعة اطلاعه على جميع ما عمله بحيث إن الكتاب يحضر من
__________________
(١) كذا في تفسير ابن عطية ، والذي في ديوان الأعشى :
فلدتك الشعر يا سلامة ذا |
|
التفضال والشيء حيثما جعلا |