الضلال ضر لصاحبه. ولكون الجملة كذلك فصلت ولم تعطف على التي قبلها.
وجملة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) واقعة موقع التعليل لمضمون جملة (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لما في هذه من عموم الحكم فإن عمل أحد لا يلحق نفعه ولا ضره بغيره.
ولما كان مضمون هذه الجملة معنى مهما اعتبر إفادة أنفا للسامع ، فلذلك عطفت الجملة ولم تفصل. وقد روعي فيها إبطال أوهام قوم يظنون أن أوزارهم يحملها عنهم غيرهم. وقد روي أن الوليد بن المغيرة وهو من أئمة الكفر كان يقول لقريش : اكفروا بمحمد وعلي أوزاركم ، أي تبعاتكم ومؤاخذتكم بتكذيبه إن كان فيه تبعة. ولعله قال ذلك لما رأى ترددهم في أمر الإسلام وميلهم إلى النظر في أدلة القرآن خشية الجزاء يوم البعث ، فأراد التمويه عليهم بأنه يتحمل ذنوبهم إن تبين أن محمدا على حق ، وكان ذلك قد يروج على دهمائهم لأنهم اعتادوا بالحملات والكفالات والرهائن ، فبين الله للناس إبطال ذلك إنقاذا لهم من الاغترار به الذي يهوي بهم إلى المهالك مع ما في هذا البيان من تعليم أصل عظيم في الدين وهو (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). فكانت هذه الآية أصلا عظيما في الشّريعة ، وتفرع عنها أحكام كثيرة.
ولمّا روى ابن عمر عن النّبيء صلىاللهعليهوسلم «أنّ الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه» قالت عائشة ـ رضياللهعنها ـ : «يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما قال رسول الله ذلك والله يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
ولما مرّ برسول الله جنازة يهودية يبكي عليها أهلها فقال : «إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب».
والمعنى أن وزر أحد لا يحمله غيره فإذا كان قد تسبب بوزره في إيقاع غيره في الوزر حمل عليه وزر بوزر غيره لأنه متسبب فيه ، وليس ذلك بحمل وزر الغير عليه ولكنه حمل وزر نفسه عليها وهو وزر التسبب في الأوزار. وقد قال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ، وكذلك وزر من يسنّ للناس وزرا لم يكونوا يعملونه من قبل. وفي «الصحيح» : «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ذلك أنه أول من سن القتل».
وسكتت الآية عن أن لا ينتفع أحد بصالح عمل غيره اكتفاء إذ لا داعي إلى بيانه